بعيداً عن السياسة... الصداقة

نشر في 20-01-2012
آخر تحديث 20-01-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. محمد لطفـي «صديقك من صدَقك لا من صدّقك». تعتبر الصداقة من أغلى العلاقات الإنسانية وأسماها بعد الحب، رغم أن الحب يجعلك تحلّق في عالم الخيال والجمال، والصديق يهبط بك إلى أرض الواقع. يعيش معك أوجاعك وآلامك ويشاركك فرحك وأحزانك، والصداقة الحقيقية- بلغة المال- عملة نادرة يجب ألا تفرط بها أو تتركها تضيع من بين يديك، وتعتبر رابطة الصداقة من أقوى روابط العلاقات الإنسانية، وتتفوق أحيانا على رابطة الأخوة كما يقول المثل العربي «رب أخ لك لم تلده أمك».

والصداقة لا ترتبط بزمن ولا تشترط التعايش الدائم كوجود الحبيب مثلاً، فالحبيب إن غاب عنك تشتاق إليه، وإن طال غيابه فقد تفقده وتنتهي علاقة الحب، فـ«البعيد عن العين بعيد عن القلب»، أما الصديق فمهما غاب عنك وبمجرد أن تراه يشعرك أنك كنت معه بالأمس، ترى في عينيه ويفكر بعقلك، وإذا كانت هذه هي الصداقة فمن الصديق؟

وصفه الحكيم العربي بمقولته الشهيرة في رأس المقال، ولكن لو افترضنا أن طريق الإنسان في الحياة «متعرج» أي غير مستقيم- بالطبع لا أقصد الاستقامة الأخلاقية- ولكنه متعرج الأفكار والأحوال، فالصديق هو صاحب الطريق المتعرج الآخر الذي يتقاطع مع طريقك وتكثر بينكما نقاط الالتقاء وتقل مسافات التباعد، فالصداقة أشبه «بضفيرة» مزدوجة يتقاطع طرفاها ويتباعدان، وتزداد قوة الصداقة كلما كثرت نقاط الالتقاء وقلّت مسافات التباعد. ولانعدام التماثل التام في العلاقات الإنسانية، فإن الصديقين وإن تقاربا فإنهما قد يختلفان لكنهما في النهاية كطرفي «ضفيرة» كما ذكرنا يعودان للالتقاء مرة أخرى.

وللصداقة في محراب الشعر الكثير والكثير، ونبدأ بما قاله الشاعر للتعبير عنها وتعريفها:

إن نفترق نسـباً يؤلف بيننا أدب أقـمناه مقـام الوالد

أو نختلف فالوصل منا ماؤه عذب تحدّر* من غمام واحد

ومن طبيعة الأمور التبدل وعدم الثبات، وإن حدث بين الأصدقاء فالعفو شيمتهم والتسامح طبعهم:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلاً أن تعدّ معايبه

وفي كل الأحوال فالصديق قرين صديقه وبه يعرف فيذم أو يمدح:

عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يعرف

أما الصديق الذي لا يرى إلا حقوقه ويتناسى واجباته نحو صديقه فقد سخر منه الشاعر وقال:

لي صديق يرى حقوقي عليه نافلات ويرى حقه الدهر فرضا

لو قطعت البلاد طولاً إليه ثم سرت من بعد الطول عرضا

لرأى ما فعلت غير كثير واشتهى أن يزيد في الأرض أرضا

ونختم بأبيات للإمام الشافعي تلخص وتجمل العلاقة بين الأفراد سواء كانت علاقات كاذبة يشوبها النفاق أو صداقة حقيقية يعززها الوفاق:

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً فدعه ولا تكثر عليه التأسّفا

فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في ود يجـيء تكلّفا

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا

*: ح د ر: الحدر بالفتح، الهبوط، وهو المكان الذي تنحدر منه، وحدر في قراءته أسرع. وتحدر الدمع تنزل.

back to top