عظمة يا ستّ كالي !

نشر في 06-01-2012
آخر تحديث 06-01-2012 | 00:01
No Image Caption
 حمد نايف العنزي دعكم من السياسة اليوم، واقرؤوا هذه الحكاية:

في منتصف يوليو 1945 كانت كالي قد عقدت العزم على ألا تؤجل ما ينبغي عمله، فبينما كانت تجلس مع زوجها في الشرفة الأمامية لمنزلهما بقرية بيليز فيل في ويست فرجينيا، قالت لزوجها: «حسنا، إنني على استعداد إن كنت كذلك»!

كان بيل الذي يعمل مديراً لمدرسة ابتدائية يطمح لنيل درجة الليسانس للحفاظ على مركزه في المدرسة، أما ابنهما الأكبر كالفيرت فقد بلغ السادسة عشرة وجعل كالي تفكر في عمل شيء لتأمين حصول أولادها على التعليم العالي.

قالت لزوجها بحزم: «لا شيء أقل من الليسانس لكم جميعاً»، وبعد برهة صمت قال بيل: «أظنك تعلمين صعوبة الأمر، والوقت اللازم لتحقيقه»!

كانت كالي ذات الحياء الشديد والجسد الضئيل تدرك أن إنجاز خطتها سيستغرق 20 عاماً حتى تخرّج أصغر أبنائها، لكنها لم تكن ممن يهربون من المعركة: «مهما يكن الأمر، فعلينا مواجهته»!

وبدأت المواجهة على الفور، فأخذ بيل إجازة بلا مرتب لمدة عام، ورهنا منزلهما وباعا سيارة العائلة، ثم انطلقا بسيارة مستأجرة استقرت بهم عند جامعة مارشال، حيث سجل بيل اسمه كطالب في السنة النهائية، ومن تلك اللحظة بدأت خطة كالي ترنت لمستقبل أفضل حيز التنفيذ!

اشترت كوخاً متهدماً ليسكنوا فيه، ولم ينقض شهران حتى أدركت أن نقودهما لن تبقى حتى نهاية العام، فعملت بمحل بقالة 12 ساعة يومياً في الوقت الذي كانت تعتني فيه بطفليها الصغيرين وكل أعمال المنزل، لكنها شعرت أن المشقة مستحقة حين شاهدت بيل يتخرج في الكلية، ويقول لها مبتسماً وهي تنظر إليه بزهو بالغ: «ما حصلت عليه مجرد شهادة ليسانس بالآداب، لم أذهب إلى القمر وأعود»!

بعد عام، قال لها بيل: «عليّ نيل الماجستير لأحوز علاوة أخرى، هل تعودين معي إلى الجامعة لنبدأ من جديد؟»، وكان أن عادوا، لكن بيل وجد صعوبة كبيرة، فعمله كنجار لم يتح له الوقت للدراسة كما ينبغي، وقال ذات ليلة:»لا يزال علي قراءة 14 قصة في الأدب، لا أظن أنني سأحقق هدفي» قالت كالي: «بل ستحققه»، وراحت تقرأ له القصص أثناء مزاولته عمله، وتمضي الساعات الطويلة في مكتبة الجامعة لتنتهي من جمع مادة البحث الضرورية لحصول بيل على الماجستير في وقت قياسي!

في الأعوام التالية، عملت كالي في كل ما يتيح لأولادها الحصول على شهاداتهم العالية، فإضافة إلى عملها اليومي في متجر للبقالة، كانت كل ليلة بعد أن ينام الجميع، تجلس لتصنع ثياباً لصغار الفتيات، أو تحول الثياب القديمة إلى شيء يباع، وقبل شروق الشمس كانت تتسلل إلى المطبخ لتتصاعد رائحة الخبز اللذيذة، قبل أن تزاول عملها في حديقة المنزل لتنتج مزيداً من الخضرة لبيعها، وعلى مر السنين، باعت كالي الحلوى، ومؤن المدارس، وقادت سيارتها فوق طرق جبلية وعرة لبيع السلع للمتاجر الريفية!

بعد عشرين عاماً... وبينما كان موكب الخريجين يصطف قربها، راحت كالي تسترجع بفخر قائمة الشرف الخاصة بأسرتها، بيل ترنت: ماجستير في الآداب، كالفيرت ترنت: دكتوراه بجراحة الأسنان، آرفل وجيمس وديفيد ترنت: ماجستير في الآداب، إليزابيث: ليسانس في الآداب، سو ترنت: ليسانس في الموسيقى!

وبينما كانت بنتها الصغيرة «سو» تخطو نحو المنصة، أحست كالي بيد زوجها تعتصر يدها: «لقد نجحت خطتك»!

بعد لحظات، كان مدير الجامعة يذكر بعض عظماء ولاية ويست فرجينيا المكرمين ذلك اليوم، وفجأة، هبط من المنصة متوجهاً نحو كالي قائلاً لها: «مسز ترنت، إن قصتك ملحمة من التضحية، فرغم أنك لم تحصلي على تعليم عال، فإنك أنفقت حياتك ليتعلم الآخرون بموارد ضئيلة، لقد ساعدت على منح بلدك سبعة مواطنين ناجحين ومستقبلاً مشرقاً، أظنك الوحيدة التي لم تلق ما هي جديرة به، ومن ثم، فإنني باسم جامعة مارشال أقدم لك هذه الشهادة الفخرية»!

تناولت كالي الورقة بيد مرتعشة وقالت له وسط ضباب الدموع: شكراً، ثم مضت للمنصة على صوت الموسيقى لتنضم إلى ركب عظماء ويست فرجينيا!

ليتنا جميعا، أنا وأنت وهو وهي، نقوم بجزء مما قامت به كالي نحو أسرنا لكي نصنع منهم شيئاً، ولكي يصنعوا هم من وطنهم شيئاً بعد ذلك، هكذا تكون العظمة، إنها بالعمل والإنجاز والكفاح والتضحية، ومن هنا تبدأ رحلة الإصلاح، بأن يبدأ الإنسان بإصلاح نفسه ومن حوله أولا... قبل أن يبدأ بإصلاح الآخرين!

back to top