لا أدري من المسؤول عن إطلاق مصطلح "الربيع العربي" لوصف الثورات العربية التي هزّت ولا تزال عروش بعض الأنظمة الشمولية في المنطقة، لكن في ظني أن هذا المصطلح يتضمّن حكماً سابقاً لأوانه على مجريات الأحداث في المنطقة، فمثلما أن فصل الربيع لا يحلّ بمجرد انقشاع الغيوم وانكسار شدة البرودة، فإن "الربيع العربي" لا يحين بمجرد سقوط الدكتاتوريات والدعوة إلى انتخابات عامة، الربيع عملية بناء في الأساس، لا عملية هدم، وما تشهده المنطقة العربية حالياً هو بداية أفول الأنظمة الشمولية، أو خريف الدكتاتوريات العربية إن جاز التعبير.

Ad

عندما تتحول العملية الديمقراطية إلى عقد اجتماعي يرتضيه الجميع بدافع المسؤولية التاريخية وبعيداً عن المصالح الآنية الضيقة، وعندما يكون الرأي العام العربي حاضراً بقوة في كل قرار تتخذه الجامعة العربية، عندها فقط يمكن الحديث عن "ربيع عربي"، لكن بعيداً عن المصطلحات ومدى دقتها، أريد من خلال هذا المقال إلقاء الضوء على بعض تداعيات الثورات العربية على نظامنا السياسي في الكويت.

هناك حجة تكررت كثيراً في الأشهر الماضية، خصوصاً في بعض افتتاحيات صحفنا المحلية، ومفادها أننا في الكويت بمنأى عن "الربيع العربي"، أو أننا لا نحتاج إلى مثل هذا الربيع، وذلك لأننا ننعم بربيع ديمقراطي منذ عقود من الزمن! أتفهم جيداً هذا الخوف من التغيير من قِبل أناسٍ لطالما استفادوا من بقاء الأوضاع على ما هي عليه، لكن لا أحسب أصحاب هذه الحجة غافلين عن أوجه التشابه الصارخة بين الثورات العربية والحراك الشعبي الذي شهدته الكويت في الآونة الأخيرة.

أولاً، هناك العنصر الشبابي ودوره الكبير في شحن الرأي العام وتقديم التضحيات البطولية التي تستحق الإعجاب والإكبار. ثانياً، هناك الشعارات السياسية التي انصهرت جميعها في كلمة "اِرحل"! ثالثاً، هناك الحراك الشعبي العارم الذي أدى ولا يزال إلى الإطاحة بأفراد لا يعبرون عن الإرادة الشعبية.

في كتاب "المجتمع المفتوح وأعداؤه"، يقسّم "كارل بوبر" الحكومات إلى نوعين: حكومات نستطيع التخلص منها من دون إراقة للدماء وذلك من خلال صناديق الاقتراع، وهذه تسمى حكومات ديمقراطية، وحكومات لا نستطيع التخلص منها إلا بواسطة ثورات ناجحة، وهذه تسمى حكومات دكتاتورية. على ضوء هذا التقسيم، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: إلى أي النوعين من الحكومات تنتمي حكومة "ناصر المحمد" التي أسقطها الشعب في ساحة الإرادة؟ لا يمكن وصف تلك الحكومة بالحكومة الديمقراطية، لأننا ببساطة لم نستطع التخلص منها عن طريق صناديق الاقتراع! لاحظ أن هذه الحقيقة تقطع الطريق أمام كل محاولة لإيجاد نقاط اختلاف جوهرية بين الثورات العربية والحراك الشعبي المحلي، فالقول بأننا أقدم عهداً بالديمقراطية من دول الربيع العربي لا يجدي نفعاً، فالنظام السياسي الذي لا يتيح لأفراد الشعب الحق في التخلص من حكومته عن طريق صناديق الاقتراع لا يمكن وصفه بأنه نظام ديمقراطي، والحق أنّنا لم ننعم بحكومة ديمقراطية منذ نشأة الكويت إلى يومنا هذا.

الكويت ليست بمنأى عن الثورات العربية وتداعياتها، ولا يمكن فهم الحراك الشعبي الذي أسقط حكومة "ناصر المحمد" بعيداً عن تلك الثورات، كما لا يمكن فهم قرار السلطة في تخفيف شدة الاحتقان السياسي بعيداً عن مجريات الأحداث في المنطقة.

أخيراً، إذا كان هناك من يرى في تشكيلة المجلس القادم أرضاً خصبة لتعديل المادة الثانية من الدستور، فإن قراءة نتائج الانتخابات في سياق الحراك الشعبي الذي أملى تلك النتائج بامتياز تشير إلى رؤية مغايرة: إن الأرض باتت خصبة حقاً، ليس لتعديل المادة الثانية من الدستور، بل لتطوير نظامنا السياسي من خلال توسيع المشاركة الشعبية في السلطة.