في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر شهدت منطقتنا صراعاً حاداً بين الدول الكبرى من أجل السيطرة عليها، ففي حين كان "الرجل المريض"، أي الإمبراطورية العثمانية تودع آخر أمجادها، راحت الدول الكبرى في ذلك الوقت تتصارع من أجل اقتسام التركة.

Ad

فحاولت ألمانيا الموحدة إنشاء خط للسكك الحديدية يربط مدينة برلين ببغداد على أن ينتهي الخط في منطقة كاظمة في دولة الكويت، وفي موازاة ذلك حاولت فرنسا إنشاء خط مماثل لذلك على أن يبدأ من مدينة إسطنبول إلى بغداد، وينتهي أيضا في منطقة كاظمة في الكويت.

في ذلك الوقت قامت روسيا بافتتاح قنصلية لها في مدينة البصرة، وأرسلت بعض البوارج الحربية إلى الكويت في زيارات إلى أميرها، وذلك بقصد الدخول إلى المنطقة.

في خضم هذا الصراع الحاد وجد الشيخ مبارك الصباح نفسه في أوضاع حرجة وخطرة، يضاف إليها بروز بعض الجماعات القبلية الدينية في الجزيرة العربية تسعى إلى توسيع نطاق سيطرتها ونشر مذهبها.

استغلت بريطانيا بما يعرف عنها من دهاء، هذه الأوضاع لتعرض على الشيخ مبارك الالتزام بحمايته مع التزامه بعدم بيع أو تأجير أي جزء من إمارته أو المناطق التي يسيطر عليها (اتفاقية الحماية 1899)، وبهذا أغلقت الباب أمام ذلك التنافس الحاد، وتلاشى إلى حد ما ذلك الصراع، ولكنه أفرز حقيقة ثابتة مفادها أن القوى العظمى لن تسمح لأي قوة إقليمية بالسيطرة على المنطقة التي تعتبر رئة العالم ومحرك اقتصاده، خصوصاً بعد الاكتشافات البترولية.

ونحن اليوم نشهد صراعاً مماثلاً لذلك الصراع، تمثل إيران فيه الإمبراطورية التي تسعى فيه إلى السيطرة على المنطقة لتحقيق حلمها الأزلي في إعادة قيام الإمبراطورية الفارسية، ولكن بنسخة إسلامية الديانة شيعية المذهب، فغدت مصدر قلق وتهديد وعدم استقرار للمنطقة في تجاهل تام للحقيقة بأن العالم والقوى العظمى لن يسمحا لها بتحقيق ذلك، حتى لو وصلت المواجهة إلى مراحل متقدمة.

لاشك أن جزءاً من التحرك الإيراني المتمثل بخلق الأزمات مع دول الكويت والسعودية والبحرين وبقية دول مجلس التعاون، إضافة إلى التهديدات العراقية لدولة الكويت من جهات معروف من يقف وراءها، وندرك أن هذه التحركات الإيرانية تهدف في جزء منها إلى إبعاد الانتباه عما يجري في سورية، وتخفيف الضغط عن النظام السوري الذي بدأ يتهاوى أمام وطأة التحرك الشعبي الذي اخترق حاجز الخوف، ولن يوقف ثورته إلا برحيل النظام، والذي سيؤدي سقوطه إلى إنهاء "حزب الله" وخروج لبنان من الوصاية السورية الداكنة السواد، وتخفيف أو تلاشي القبضة الإيرانية عن العراق، وعندها سيأتي دور "الربيع الإيراني" بتحرك الشعب الإيراني، ودخول إيران في دوامة لن تكون بعيدة عمّا يحدث الآن في العراق وربما ستكون نسخة منها.

نحن على ثقة بأن القيادة الإيرانية على وعي وإدراك لما يمكن أن تنزلق إليه الأمور، لذلك فإنها لن تنساق وراء مغامرة غير محسوبة النتائج كالتي قام بها النظام العراقي السابق، فشعوب المنطقة تتطلع إلى عهد جديد يسود فيه السلام والتعاون بين دولها لتحقيق التنمية والتطور والرخاء لشعوبها، خصوصاً أن هناك تاريخاً مشتركاً يربط بينها منذ ما يزيد على ألف وأربعمئة عام عندما انتشر دين الإسلام في شتى بقاع العالم.

كما أن على القيادة الإيرانية أن تدرك أن خلق الأزمات مع دول مجلس التعاون سيلحق الضرر بمواطني إيران ممن يعملون فيها ويعتمد عليهم في حياتهم المعيشية مئات الآلاف داخل إيران، فلا أعتقد أن إيران ستقدم على خطوة تضر بهذه الفئة من مواطنيها، ولنا في ما قام به النظام العراقي السابق مثال حي.

إنها دعوة حب وسلام للدولة الجارة والصديقة لفتح صفحة جديدة من الثقة والتعاون لما يحقق النمو والرخاء لشعوب المنطقة بعيداً عن الصراعات الدولية حتى لا تكون وقوداً لهذا الصراع الذي سنكون أولى ضحاياه.

في خضم هذا التوتر ندعو أهل الديرة أهل الكويت وكل من يحبها إلى الوعي والعمل لكل ما يحقق مصلحة الكويت وأهلها...

حفظ الله الكويت وقيادتها وشعبها من كل مكروه.