أهدى إليّ الأستاذ خالد جميل الصدقة معجم لآلئ الأمثال والحكم المقارنة إنكليزي وعربي، وهو معجم "متعوب" عليه بحق، وفيه جهد واضح وشغل مضنٍ، إذ إنه درة لامعة وقيمة لا توصف في المعنى والتقدير، فهذا المعجم لم يُكتب ويُؤلف بيسر وسهولة، بل هو نتيجة جهد لا يمكن أن يُخلق أو يوجد لولا هذا الدافع وهذا المولد المجنون المسمى بالشغف، هذا الشغف هو اللهيب وناره هي الموتور أو الماكينة التي أدارت طاقة المؤلف على مدى 10 سنوات حتى تأتي بهذا المعجم الفريد بذاته وبمادته.

Ad

هذا الشغف أسر المؤلف منذ كان طالباً في كلية الآداب بجامعة دمشق حينما وقع في غرام الدراسات الأدبية واللغوية المقارنة، خاصة عندما اطلع على القسم الخاص بالأمثال في معجم المورد للعلّامة منير البعلبكي الذي ترجم بعض الأمثال الإنكليزية وقارنها بما يشابهها من الأمثال العربية، ومن هذه الجمرة ستتولد نار السنوات العشر التي ستليها، وستأكل الزمن والعمر والوقت كله في تجميع لآلئ هذا المعجم المهدى إليّ.

ولمّا فتحته ذهلت من المجهود المبذول في كل صفحة من صفحاته، عمل متعب مجبول بالصبر وباصطلاء الشغف ونار عبوديته التي جرّت الكاتب إلى البحث والاطلاع على بضعة آلاف من الأمثال والحكم النثرية والشعرية، وبلغ عدد المراجع التي استمد منها مادته نحو 450 من كتب الأمثال واللغة والأدب والدواوين والتراجم، وعدد الشعراء الذين تمثل بأشعارهم أكثر من 600، والزمن الذي استغرقه البحث 10 سنوات.

وقد أورد تحت كل مثل إنكليزي ما يناظر معناه في القرآن والحديث الشريف والأمثال النثرية والشعرية.

بصراحة هذا المعجم في غاية الجمال والفرادة، فمثلاً جاء بالإنكليزية المثل التالي:

Love is blind  (الحب أعمى)

ثم أورد المؤلف تحته نظائره في العربية، التي منها ما جاء في العقد الفريد بأن "الهوى شديدُ العمى"، وفي مجمع الأمثال "إنّ الهوى شريكُ العمى"، و"عينُ الهوى لا تَصدق".

وقال عمر بن أبي ربيعة:

خرجتُ غداةَ النفرِ أعترضُ الدمى

فلم أرَ أحلى منك في العينِ والقلبِ

فواللهِ ما أدري أحسناً رزقتهِ

أم الحبُّ أعمى كالذي قيل في الحبِّ

وقال أبو العتاهية:

يا عُتبُ ما أنا عن صنيعك بي

أعمى ولكنّ الهوى أعمى

وقال الخبز أرزي:

الحبُّ أعمى وذا أعمى يحبُّ وذا

على القياسين أعمى القلبِ والبصرِ

المعجم لم يترك جانباً من جوانب الحياة إلا وجاء بمثل يدل عليه بالإنكليزية وما يقابله من أمثال عربية، جاء معظمها باللغة الشعرية أي أن 90 في المئة من المعجم جاء أبياتاً شعرية من أزمان مختلفة يتطلب البحث عنها وتجميعها زمناً يوازيها، قال عنه المؤلف إنه كان يدعو ربه أن يطيل عمره حتى يستطيع أن ينهي معجمه.

وها هو المعجم يرد لصاحبه ثمن المجهود الذي بذله في سبيله ويهدي إليه الخلود، لأن هذا المعجم كُتب ليعيش إلى الأبد فهو ليس بشعر ولا بمسرح ولا رواية يُقرأ مرةً ويُترك أو يُنسى في رف ما من المكتبة، فصحيحٌ أنه مجهود كتابي مثله مثل أي كتابة أدبية أخرى، لكن من يستطيع أن يملك هذا الصبر والجهد الدؤوب ليعمل مثله؟

معجم يضم بين دفتيه لآلئ من الأمثال الإنكليزية وما يقابلها في العربية، ومن أجل إنجازه تعلم المؤلف اللغة الانكليزية حتى يفهم الأمثال الواردة فيها.

وكلما تصفحت صفحات هذا المعجم تمنيت من الله ألا يحرمني نارَ الشغف فهي وقود الإبداع الحقيقي الدافع وراء كل نجاح يتطلب مجهوداً غير عادي، ولولا هذا الشغف لكان من المستحيل أن يأتي إلينا هذا العمل الذي أكل 10 سنوات من عمر الرجل لو كان قد استثمرها في أي منتج آخر لدرت عليه أكثر بكثير مما سيدره بيع هذا المعجم.

لكن هذا المعجم سيحمل الخلود الدائم لاسم مؤلفه، وسيعبر به إلى آفاق بعيدة، حتى وإن فني صاحبه فسيبقى مردداً صدى جهده وحلمه الكبير الشاسع، وهو الذي انغمر في البحث بشغفٍ 10 سنوات من أجل إنجاز هذا المعجم المفيد لكل مراحل العمر في الأزمان التالية.