فرصة التيار الديني الذهبية لإحياء الفقه الجديد

نشر في 22-02-2012
آخر تحديث 22-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. شاكر النابلسي كان المفكر الإسلامي السعودي يوسف أبا الخيل، (رائد الليبرالية الدينية الجديد في السعودية) قد نادى بإحياء «الفقه الجديد» ضمن حملته الفكرية الدينية الليبرالية التي أطلق عليها «إحياء الفقهية الجديدة». وكان ذلك فكراً على الورق، وعلى التيار الديني الصاعد في العالم العربي اليوم أن يقرأ جيداً نصوص هذه الدعوة قراءة المبصرين، وأن يجتهد في تطبيقها، فمع هذا التطبيق سيضمن التيار الديني حكم العالم العربي لزمن طويل ممتد. وبدون ذلك سيكون التيار الديني الصاعد سياسياً الآن كفقاعة الصابون، التي لا تلبث أن تزول، ويعود الثور العربي ليدور حول ساقية الأيام لزمن طويل، دون جدوى!

* أصول الإحيائية الفقهية الجديدة

فما أصول وقيم «الإحيائية الفقهية الجديدة» التي نادى بها يوسف أبا الخيل في عام 2006؟

لقد كان فولتير- كما يقول مؤرخه أندريه كريسون- لا يكتفي بمهاجمة ما يراه أفكاراً خاطئة، بل يسعى إلى أن يبني من جديد ما هَدم. وهذا هو الجزء الإيجابي من آثاره.

وفي جملة المقالات المهمة، التي نشرها يوسف أبا الخيل، في جريدة «الرياض»، منذ أعوام خلت، درجَ على مهاجمة ما يراه من أفكار خاطئة، ويسعى في الوقت نفسه إلى بناء ما هُدم من جديد، وعلى ضوء معطيات العصر الحديثة، واحتياجات البشر الجُدد في الحياة المتبدلة والمتغيرة على الدوام، تغيُّر مياه النهر الجاري بتدفق، لا ينقطع.

ففي مناقشته لآراء جمال البنا الفقهية، بخصوص الحجاب والمرأة، والتي أثارت زوابع كثيرة في العالمين العربي والإسلامي، أخذ أبا الخيل بتاريخية النصوص الفقهية، ومحدودية واقعها التاريخي، وقال بشجاعة الفقهاء العقلانيين، الذين لا يفسرون النصوص المقدسة من فوق التاريخ، ولكن من خلاله، ومن داخله، وعلّق على هذه الآراء بقوله:

«إن هذه النصوص- كما هو مقطوع به لدى كل طوائف المسلمين- محدودة ومحصورة بواقع تاريخي محدد بنوازله ووقائعه، وهي حقيقة مُعبَّرٌ عنها لدى كل تلك الطوائف بشعار: «ندرة النصوص، ولا نهائية الحاجات والوقائع الجديدة». ولم تكن ثمة وسيلة للتعامل مع الوقائع، التي استجدت بعد انقطاع الوحي غير تفعيل المَلَكة العقلية، حيال استنباط ما يمكن أن تُكيّف به تلك الوقائع المستجدة. وهذه المَلَكة العقلية قُيِّدت على مرِّ تاريخ التشريع الإسلامي، بتحديد مجالات عمل العقل الإسلامي، وعلى رأسها تدشين «آلية القياس على أصل سابق»، من قبل الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150 - 204هـ). وهي الآليّة التي يتطلب تفعيلها البحث في أصل من أصول التشريع، لاستنتاج علَّة الحكم فيه، ليتمكن الفقيه المجتهد على ضوء ذلك، من إلحاق حكم الفرع بحكم ذلك الأصل بجامع العلِّة بينهما. وقد عرَّف المتكلمون من المسلمين (أصحاب مذاهب علم الكلام) القياس بأنه «قياس الغائب على الشاهد». «كما قال يوسف أبا الخيل في «الإحيائية الفقهية الجديدة» (جريدة «الرياض»، 8/ 4/ 2006).

ويضيف أبا الخيل مفسراً، وشارحاً:

«فالشاهد هنا، هو الوقائع الجديدة. أما الغائب فهي الأصول، التي حملت أحكام التشريع لوقائع معينة، مرتبطة تاريخياً بزمنها. والأحكام المُنتَجة بواسطة القياس ليست شيئاً غير الفقه. وبالتالي، فهذا الفقه، بصفته استنباطاً من الأدلة بقياس الفروع على الأصول، ليس هو الشريعة نفسها، بل هو اجتهاد بشري، داخل حدود الشريعة. والأحكام المستنبطة بواسطة الاجتهاد، اعتماداً على آلية القياس، لا تعتبر أحكاماً قطعية، بل هي أحكام ظنية فقط. إذ إن الحكم القطعي الذي لا يسوَّغ الخلاف فيه، هو الحكم الذي جاء به الأصل (المقيس عليه)، خاصة إذا كان قطعي الدلالة والثبوت. أما المقيس، وهو الفرع، فلا يعدو حكمه أن يكون ظنياً، لأن الفقيه عندما يستخدم القياس، لا يستطيع الجزم بعلة الحكم في الأصل المقيس عليه».

ما خلاصة هذه الأصول؟

نستخلص من هذا كله:

1 - أن هذه الآراء في الأحكام الشرعية، هي لبُّ الليبرالية التي تتأسس الآن في السعودية بقواعد مكينة، ترتكز على العلم، والمعرفة، واستعمال العقل في طرح المسائل. وهي كما وصفها- حقاً- يوسف أبا الخيل، «الإحيائية الفقهية الجديدة».

2 - أن النصوص المقدسة، يجب أن تُفسَّر ضمن سياقاتها التاريخية، وليس خارج هذه السياقات. وتفسير النصوص المقدسة ضمن سياقاتها التاريخية، يُظهر منها «المقاصدية»، التي نستطيع توظيفها في مختلف مظاهر وسلوكيات الحياة المعاصرة. وتلك ركن أساسي من أركان التأويل الليبرالي للنصوص المقدسة.

3 - تم تقييد المَلَكة العقلية على مرِّ تاريخ التشريع الإسلامي، بتحديد مجالات عمل العقل الإسلامي. ويتطلب تفعيل هذه المَلَكة، البحث في أصل من أصول التشريع، لاستنتاج علَّة الحكم فيه، ليتمكن الفقيه المجتهد على ضوء ذلك، من إلحاق حكم الفرع بحكم ذلك الأصل، بجامع العلِّة بينهما.

4 - إن الفقه ليس هو الشريعة، ولكنه اجتهاد بشري. إنه استنباط من الشريعة. والأحكام الفقهية ليست قطعية، ولكنها ظنية فقط.

وهذه الإحيائيات الفقهية الجديدة، ما هي إلا تأسيس للإحيائيات الفقهية التي قال بها محمد عبده، وعلي ومصطفى عبدالرازق، وأمين الخولي، وخالد محمد خالد، وغيرهم من المصلحين الليبراليين في مصر. كما قال بها الطاهر حداد، والطاهر بن عاشور، وابنه محمد الفاضل بن عاشور، وشدد عليها فيما بعد العفيف الأخضر، ومحمد وعبدالمجيد الشرفي، ومحمد حداد، وهشام جعيط، في تونس. وهي كلها تصب في نهر الليبرالية الفكرية المتدفق، تحت صخور السلفية والأصولية الدينية.

ما هو التنوير؟

عندما أراد كانط أن يُعرِّف التنوير تعريفاً دالاً ومختصراً، لم يجد خيراً من عبارة: «الجرأة في إعمال العقل».

والليبرالية نتاج من نتاجات التنوير. وحين نقرأ الكتَّاب والمثقفين الليبراليين السعوديين في العصر الحديث، خصوصاً منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن- حيث بدأ فتحُ ملفات «صدمة الصعود» التي نتجت عن الطفرة النفطية في 1973 بحظر تصدير البترول للغرب، وبدأت تتلاشى 1982 مع بدء حرب الخليج الأولى 1980 - 1988 نرى أن الشجاعة الثقافية هي «السلاح الأبيض».

ونرى أن هذا السلاح هو خير ما يمكن أن يستعمله التيار الديني الصاعد الآن في العالم العربي لا لكسب معركة اليوم السياسية، ولكن لكسب معركة التنمية العربية الممتدة والدائمة.

* كاتب أردني

back to top