1 - ليس العراق اليوم بأفضل حال من معظم البلاد العربية، بل يكاد يكون في أسوأ حالة من حالات أي بلد عربي آخر، فالفساد المالي في العراق في أبشع صوره، وكان تقرير «منظمة الشفافية الدولية»، الذي قال إن الفساد في العراق لا مثيل له في السوء والقبح في تاريخ البشرية كلها تقرير مفزع ومخيف حقاً. ولعل أنباء السرقة والنهب من المال العام، من قِبل بعض السياسيين المنتفعين العراقيين، التي تزكم الأنوف برائحتها الكريهة، دلائل كافية على مدى استشراء الفساد في العراق، منذ 2003 إلى الآن، ولا نرى رغم ذلك، ردود فعل عادلة من أجهزة الرقابة والعدالة العراقية. فالكل يسرق وينهب، والكل ساكت ويتفرج، دون حراك، وكأننا في عهد العباسيين، حين كان المال العام، هو مال خاص للخليفة، وألا فرق بين بيت المال العام وخزانة مال الخليفة الخاصة. والمعارضة العراقية تصرخ في وجه «الدكتاتورية الخضراء» العراقية قائلة: «في العراق المدمّر المخرّب المتخلف ينصرف معظم الوزراء إلى السرقة، ولا يجدون ردعاً من رئيسهم الذي يدفع عنهم طائلة المساءلة والحساب... في هذا العراق يهتم النواب (المنتخبون!) بكل شيء إلا حاجات ومصالح الناس الذين «انتخبوهم»... يهتمون برواتبهم، وامتيازاتهم، وعقاراتهم، وشركاتهم، وطوائفهم، وأحزابهم، وميليشياتهم، وعشائرهم، ولا يجدون بالتالي أي وقت للاهتمام بشؤون الناخبين».

Ad

 2 - كذلك، فقد حكمت الدكتاتورية العربية لسنوات طويلة في معظم البلدان العربية، وتراوحت مدة هذه السنوات بين 30-40 عاماً، وفي مصر كان حزب واحد هو الحاكم، كذلك الأمر في تونس، وفي اليمن، وفي سورية... إلخ، وفي العراق نشاهد الحال ذاتها، فقد تولى «حزب الدعوة» الإسلامي الموالي لإيران- الذي فتح أسواق العراق لإيران بحيث باعت إيران في العراق، ما مقداره 9 مليارات دولار عام 2010، وهو يوازي ما باعته إيران للعراق في التاريخ كله. وينتظر أن يقفز هذا الرقم إلى 11 مليار دولار هذا العام 2011، كما صرَّح الملحق التجاري الإيراني في بغداد- حكم العراق مدة ست سنوات (2004-2010) وسيحكمه الآن خمس سنوات أخرى حتى 2015، ويتولى نوري المالكي (أمين عام الحزب) رئاسة الوزراء إضافة إلى وزارات أمنية سيادية أخرى، قال إنه لم يجد شخصيات سياسية عراقية صالحة لتولي حقائب هذه الوزارات، فتولاها هو باعتباره- حسب رأيه- الجدير بتولي حقائب هذه الوزارات، وتلك سابقة لم يشهد العالم العربي مثيلاً لها حتى الآن.

 3 -  إضافة إلى كل ذلك، فإن «الديمقراطية» التي يتشدق بها نظام الحكم في بغداد، هي «الدكتاتورية الخضراء»، التي كانت سائدة في عهد حسني مبارك. فحرية الصحافة المقيدة، ليست هي الديمقراطية. وحرية القول، ليست هي الديمقراطية.  الديمقراطية في واحدة من آلياتها هي الشفافية، وهي محاسبة المسؤول ومعاقبته أياً كان هذا المسؤول، كما هي الحال في الغرب. فمن يجرؤ على محاسبة المالكي على ما اقترف، وما اقترفه حزبه طيلة السنوات الست الماضية من عهد الجمهورية العراقية الجديدة. فأين الديمقراطية في العراق الآن؟!

 4 -  المثقفون العراقيون، في المعارضة العراقية الجديدة، يدركون الدكتاتورية الجديدة التي يعيشها العراق، ويصرخون في وجه الطبقة الحاكمة في العراق، بلسان عدنان حسين: «الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، بخلاف الكائنات البشرية وسائر الكائنات الحية، أظهرت طوال السنوات الست المنصرمة، أن العمر ليس له أحكام لديها، فهي لا تكبر عقلياً، وليست قادرة على تعلم أي شيء له علاقة بفن الحكم والسياسة، أو اكتساب أي مهارة أو خبرة، تجعل من أفرادها رجال دولة، يحوزون الحد الأدنى، على الأقل، من التقدير، والاحترام». ويضيفون: «في العراق طبقة سياسية لا تصلح للحكم أبداً. السنوات الست المنصرمة، كانت كافية تماماً لاختبارها بدل المرَّة الواحدة مرات عديدة، فالعراق يحتاج إلى طبقة سياسية غير هذه الثمرة المُرَّة لنظام المحاصصة الطائفية. العراق في محنة كبيرة مديدة، وهو في حاجة إلى طبقة سياسية، مبدعة في كل شيء، تنقذه من هذه المحنة المقيمة.  الطبقة السياسية الحاكمة الآن أثبتت، وبعد اختبار دام أمده ست سنوات، أنها غير قادرة على الإنقاذ، ليس في مستطاعها حل أي أزمة، بل إنها تبدو بارعة في تحويل الأزمات الصغرى إلى أزمات كبرى».

 5 -  فالفساد، قاد العراق خلال السنوات الست الماضية من حكم «حزب الدعوة» إلى الخراب الذي صورته المعارضة العراقية الجديدة، بقولها: «العراق، البلد الثري على نحو أسطوري، لم يزل بعد ست سنوات من الخلاص من دكتاتورية صدام الشنيعة، على حاله، من الخراب والدمار والتخلف، بل إنه الآن في حال أسوأ بسبب انعدام الأمن. وهذا كله يرجع إلى طفولة طبقته السياسية النافذة، التي لم تكبر يوماً واحداً، منذ أن قدم إليها الأميركيون والبريطانيون عرش صدام على طبق من ذهب». ويتابعون كشف الفساد المستور، والمال المسروق:  «العراق الغني بثرواته الفقير برجاله الشرفاء، هو الجائع أبداً:  في العراق العائم على محيط من النفط، يتضور الناس جوعاً، ويكابدون مر المكابدة من شح الخدمات الأساسية: الماء، الكهرباء، الصحة، التعليم، الصرف الصحي، النقل... إلخ، بينما وزراؤهم ونوابهم ينفقون أوقاتهم في التنابز بالألقاب، وفي المماحكات السياسية والطائفية، وفي سباب بعضهم بعضاً على نحو يتعفف عنه حتى الأطفال».

6 - فرصة الشعب العراقي للثورة على النظام الحاكم هي من أكثر الفرص ذهبيةً ونجاحا،. فـ»الدكتاتورية الخضراء» في بغداد الآن، قد أتاحت وسائل الاتصال وتبادل المعلومات، التي ساهمت في إنجاح ثورتي تونس ومصر. وفي عهد «الدكتاتورية الحمراء» (صدام حسين) لم تكن هذه الوسائل متاحة، كما أن المالكي فعل ما فعله مبارك- بل ربما أقل- من السماح بهامش حرية محدود في الصحافة على مبدأ: «ليقولوا ما شاؤوا، ولنفعل ما نريد»، مما وفر هامشاً من الديمقراطية تستطيع المعارضة التحرك خلاله قليلاً. وكل ذلك لم يكن متوافراً ولو قليلاً في عهد «الدكتاتورية الحمراء» التي طبقها حزب البعث في عهد صدام حسين، وكذلك في عهد حافظ الأسد في سورية، والتي يمارسها بشار الأسد الآن، بقيادة ماهر الأسد. فهل يقوم الشعب العراقي بما قام به الشعب المصري، في ظل هذا الائتلاف في الظروف والوسائل الثورية، التي أتاحتها العولمة، وثورة المعلومات، والاتصالات؟!                 * كاتب أردني

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة