وجهة نظر: العم خيري ... والسينما

نشر في 30-09-2011
آخر تحديث 30-09-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين فارق الأديب المبدع خيري شلبي دنيانا إلى رحاب الله وحياة أخرى فجر الجمعة التاسع من سبتمبر (أيلول) الماضي. وأديبنا القدير المولود في محافظة كفر الشيخ في 31 يناير 1938، أُطلقت عليه ألقاب مميزة، من بينها: «وتد الرواية المصرية»، «أمير الحكائين»، «مبدع الفانتازيا التاريخية»، «كاتب المهمشين والفقراء»... غير أن أحبّ الألقاب إلى قلبه ما كان يناديه به محبوه ومريدوه: «عم خيري»، فهو «العم» بالنسبة إلى شباب أجيال في الأدب والإبداع، فيما ينادون رفيقه وصديقه الأبنودي «الخال».

اهتم «العم خيري» بالسينما فكتب مقالات في الفن الذي عرف به أكثر من غيره، وكانت «صورة قلمية» أو «بورتريه» لأهم شخصيات الفن السينمائي من نجوم ومخرجين ينتمون إلى حقبات تاريخ السينما المصرية المختلفة. كذلك اهتم بالسينما كاهتمامه الواسع بالفنون كافة ووسائل الإبداع الإنساني، غير أن السينما المصرية، بحكم تخلفها وفساد أوضاعها بل جهل أو جهالة صناعها، لم تهتم بدورها بأدب هذا المبدع المتميز الذي عرف بالرقي والجمال والدراية العميقة بالمجتمع والحياة والإنسان، و{بالكم» الوفير إلى جانب «الكيف» الرفيع، ولم يدرك صناع السينما ومنتجوها قدر الرجل وإنتاجه الروائي والقصصي الحافل والمؤهل تماماً ليستمدّوا  منه على الأقل، حكياً مدهشاً وتيمات لافتة وزوايا خاصة وجوانب من عالم أبدعه «العم خيري» بإتقان ودأب ومثابرة، على امتداد سنين. فقد عبَّر عن واقعنا المعاش، وحافظت نصوصه في الوقت نفسه على عالمها الخاص الذي يدخل في الواقعية السحرية أو الفانتازيا التاريخية أحياناً، ويجوب أعماق الواقعية وآفاقها في جوانبها المتعددة وضروراتها المستمرة أحياناً أخرى. ومهما أضاف المبدعون غيره أشكالاً تتجاوز الواقعية، إلا أنها تظل «متجاورة» وليست «متجاوزة» إحداها للأخرى، أو أحدثها للأسبق.

عملان سينمائيان هما الحصيلة التي استفادت السينما من خلالهما من أدب «العم خيري» وقصه: «سارق الفرح» الفيلم الجميل للمخرج المبدع داود عبد السيد، و{الشطار» فيلم متواضع المستوى إخراج نادر جلال لم يأتِ بقيمة أدب خيري شلبي، بل انتمى إلى السينما التجارية الاستهلاكية بحكم انتماء مخرجه إليها، بينما انتمى «سارق الفرح» إلى الإبداع بمفهوم السينما كفن وتعبير عن رؤية وموقف، وبحكم انتماء مخرجه إليها.

في الوقت نفسه، اقتصر تعامل أو تفاعل الدراما التلفزيونية مع عطاء أديبنا على تقديم مسلسلين سيناريو شلبي وحواره هما: «الوتد» إخراج أحمد النحاس، و{الكومي» عن «ثلاثية الأمالي» إخراج محمد راضي، وثالث «وكالة عطية» المستوحى من رواية لشلبي تحمل العنوان نفسه، كتبه للتلفزيون المخرج فنان السينما رأفت الميهي وأخرجه، وقد التقت فيه «روح الفانتازيا»، إذا جاز التعبير، لدى كل من المبدعين القديرين شلبي والميهي، وإن بدا المسلسل عند عرضه على شاشة رمضان قبل عامين، غريباً مختلفاً عن السائد من أعمال استهلاكية ذات موضوعات مكررة وحرفية ضعيفة...

يبقى أهم الأعمال «سارق الفرح»، فقد وزع داود عبد السيّد النص الأدبي في عرض الفيلم الخاص اعتزازاً به، كونه يعبر عن تلاقي الفكرة والروح والإحساس لدى كل من الأديب الكبير والسينمائي الكبير. والفيلم بطولة: لوسي في أفضل أدوارها في السينما، ماجد المصري في أهم فيلم شارك فيه، إلى جانب حسن حسني وحنان ترك في دورين مميزين... وغيرهم. ولعل عنوان «سارق الفرح» حمل معنيين أو حفل بهما معاً، أحدهما عن رموز الفساد والإفساد في حياتنا المسؤولين عن إفقار الإنسان الطيب الذي ينشد أبسط الحقوق في حياة لائقة. هؤلاء مستميتون حتى النهاية، نهايتهم أو نهايتنا، على «سرقة الفرح» من حياتنا... أما المعنى الثاني، فهو ما تمثل في محاولة بطلي الفيلم (لوسي والمصري) الحصول، بعد عذاب وكدّ وانتظار، على حقهما في الزواج وبناء حياة وبيت سعيد، ويحاول أمثالهما ممن فرض عليهم العوز وضيق اليد، ولو للحظات، اختلاس أو «سرقة» الفرح وتذوّق طعمه وسط مرارات تتلاحق وعذابات تحيق بهم.

ويوظف داود عبد السيّد في فيلمه الأخاذ الغناء والاستعراض بكلمات بسيطة معبرة عميقة، كتبها بنفسه وغناها أبطاله في مشهد استعراضي جميل لا ينسى.

إنها مقدرة فنان السينما عندما يكون مرهفاً ومثقفاً ومطلعاً على أدب نابض زاخر مدهش كأدب «العم خيري»، فيأخذ السينمائي من أدب الروائي، يستلهم ولا ينقل، يستوحي ولا يكرر... إنه اللقاء الجميل على شاشة الفن السابع، بين قلم خيري وكاميرا داود.

back to top