لو كنت باحثا في إحدى الدول التي لا يشتري المال فيها التاريخ, لاستطعت أن ترى وتحلل الأحداث التي وقعت في تلك الدولة من عصر المسيح عليه السلام إلى يومنا هذا، وربما من قبل ذلك, وأنت مطمئن بنسبة كبيرة إلى أن ما تبحث فيه لم تحرفه أموال، ولم تلوثه رائحة النفط.
إن الضجة التي حصلت قبل أيام عدة على زج أحد الأشخاص اسمه في تاريخ الكويت قسراً وغصباً, فوضع لنفسه شرفاً يدعيه ولا يستحقه بأنه كان أحد رموز المقاومة، هي مؤشر خطير إلى أن أيا كان يستطيع أن يضع نفسه أينما يريد على صفحات الزمن حتى لو لم يتعد الحدث 21 عاما فقط!إن تاريخنا والإرث الذي سنحمله لمن سيأتي بعدنا مهدد بالتحريف والتعديل, ومهدد أن تمحى بطولات الشجعان فيه, وتوضع أوهام الجبناء بدلاً منه, دون أن تكون هناك جهة نستطيع الاستناد إليها, فنحن نعيش مشكلة عدم وجود جهات توثق ما يحدث بحيادية وأمانة حتى لو كان التاريخ سيذكر نقاطا سوداء لا نريدها, ولنا في الغزو العراقي أسوة!نعتقد نحن في الكويت أننا في "يوتوبيا" أفلاطون الفاضلة, فنحاول أن ننكر كل ما قد يشوه صورتنا, ونعيش على مبدأ اذكروا محاسن موتاكم, وما إن يتوفى الله شخصاً من أصحاب المناصب السابقة حتى نرى أن الصفحات الأولى من الصحف تقول فيه ما لم يقله قيس في ليلى، وهي نفسها التي قالت فيه ما لم يقله مالك في الخمر, ويكون هذا كله على حساب تاريخنا, وأحقيتنا نحن ومن سيأتي من بعدنا بقراءة الأحداث كما حدثت لا كما يتصورها البعض, وعلى حساب أن نتعلم من عثراتنا وأخطائنا فمن يقرأ التاريخ يعلم أنه كثيراً ما يكرر نفسه, وقليلاً ما نتعلم من تكراره.يذكر الدكتور أحمد الخطيب في مذكراته أن هناك مناطق أو شوارع في الكويت سميت بأشخاص آذوا الكويت والكويتيين أكثر مما أفادوهم, فما الذي يمنع أن يأتي ذلك اليوم الذي نرى من يحرف التاريخ اليوم لمصلحته, فيذكر اسمه على مدرسة أو شارع أو منطقة؟!... فنحن نعاني ضعفاً في الذاكرة الطويلة المدى ولا ونتذكر إلا أحداث صباح اليوم على أبعد تقدير, ففي الأمس أنت سارق واليوم أنت أمين!
مقالات
أمين السر!
13-08-2011