من منكم لا يعرف شركة أبل؟ حسنا من منكم لا يعرف الآيبود والآيباد والآيفون؟ أكاد أجزم أن الكل بلا استثناء صاروا اليوم يعرفونها، ويعرفون بالطبع تلك "التفاحة المقضومة" الشهيرة، شعار هذه الشركة العملاقة التي تقدر قيمتها السوقية اليوم بـ٣١٧ مليار دولار، أي ما يتجاوز قيمة شركتي مايكروسوفت وإنتل مجتمعتين!

Ad

شركة أبل قد صارت اليوم أكثر بكثير من مجرد شركة متخصصة في صناعة تقنيات الكمبيوتر المتطورة وتسويقها عبر سلسلة منتجاتها ذات التصميم المميز الواضح العناية، بل قد تحولت اليوم إلى أشبه ما يكون بجزء من ثقافة عالمية تجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه، إن لم تكن، ولا أراني أبالغ حين أقول هذا، قد صارت صانعا أساسيا من صانعي حضارة المستقبل، هذه الحضارة التي لا تعترف بالحدود الجغرافية، والقائمة على تقنيات التواصل الفائق السرعة عبر الشبكات المتمردة على قيود الأسلاك والمسافة والمكان.

بالأمس، وعندما كان موعد أبل للإعلان عن جهاز الآيفون الجديد، حُبست أنفاس مواقع الإنترنت  المهتمة بأخبار التقنية، وتلك المهتمة بالاقتصاد والتجارة العالمية، ومعها ملايين البشر عبر العالم، ترقبا لشكل وطبيعة هذا المنتج الجديد، ولا غرابة في الأمر، فما تقوم به أبل اليوم، وما تقدمه من اختراعات ومنتجات، قد أضحى المحدد لمسار الصناعة في هذه المجالات، وليس من مثال أوضح من جهاز "الآيباد" حين أطلقته أبل، وكيف ذهب الكثير من الخبراء والمحللين قبيل ذلك إلى توقع فشل الفكرة فشلا ذريعا، من حيث إنه جهاز غريب جاء ليقع في منطقة وسيطة بين الهاتف النقال والكمبيوتر المحمول، فلا هو هذا ولا هو ذاك، لا من حيث الحجم ولا الوظائف ولا المواصفات، ودون وجود حاجة حقيقية عند المستهلك تتطلب ظهوره، وبالأخص لأن تجربة الكمبيوترات المحمولة ذات الشاشات التفاعلية أو ما يسمى "التابلت لابتوب" لم تنجح، وإذا بالآيباد يفاجئ الجميع بنجاحه المذهل وانتشاره السريع، مما جعل كل الشركات تتهافت على اللحاق بأبل من خلال صناعة أجهزة شبيهة بالآيباد علها تظفر بشريحة ولو صغيرة من هذه السوق المشتعلة، ولتثبت أبل مرة أخرى أنها استطاعت رسم مسار السوق نحو منتج لم يكن في الحسبان، تماما كما فعلتها في عام ٢٠٠١ عندما أطلقت مشغل الموسيقى الشهير "آيبود"، وهو ما يقال إنه سبب عودتها إلى المنافسة الحقيقية من جديد بعدما كاد يأفل نجمها، فسيطرت بواسطته وخلال سنوات معدودة على هذه السوق، فكان مردود بيعه فقط، دون سائر منتجاتها الأخرى، أكثر من ٨ مليارات دولار في عام ٢٠١٠. حسنا، هل تراني أكتب هذا المقال من باب الحماس الزائد لهذه الشركة ومنتجاتها، أو  أن هناك سببا آخر؟ الحقيقة أن الإجابة بها شيء من هذا وشيء من ذاك، فأنا أعترف بأني ومن بعد قرابة العقدين من الزمان قضيتها في استخدام أجهزة الكمبيوتر المستندة إلى أنظمة مايكروسوفت سواء نظام "دوس" القديم أو نظام "ويندوز" بكل نسخه المتتابعة، قفزت منذ أشهر، بعد تردد، إلى نظام "الماك" الخاص بشركة أبل، وهي قفزة أثبتت لي التجارب المتلاحقة أنها كانت قفزة موفقة جدا ما كنت لأندم عليها، ولا أراني أبدا أعود إلى ذلك النظام "البائد"، أعني ويندوز، وإن كنت سأترك خط رجعة بطبيعة الحال، وستعرفون سببه في خاتمة المقال، إلا أن السبب ليس هذا فحسب، إنما ما هو  أهم، هو  اندهاشي من استطاعة الشركات المختصة بالتقنيات الإلكترونية، وبالأخص شركة أبل التي هي النموذج الأظهر عندي في هذا المجال، رسم ملامح الحياة المعاصرة بهذا الشكل؟ وإلى أين تتجه بنا الأمور يا ترى ونحن راكبون في قاطراتها دون حول منا ولا قوة في حقيقة الأمر، وحسبنا أننا نشتري ونتهافت على ما تقدمه لنا؟!

لا أستبعد، بل لعلي سأجزم، أن أبل ستقوم بإنشاء سلسلة منتجات جديدة بعيدة عن التقنية تماما، وستدر عليها مئات الملايين إن لم يكن المليارات، تقوم على استغلال شعارها فقط، وأعني التفاحة المقضومة، وذلك بإنتاج ملابس وحقائب وإكسسوارات تعتمد هذا الشعار، بعدما صار اليوم أكثر من مجرد شعار، بل "هوية" تدل على التفوق والتميز والإبداع، خصوصا أن أبل قد حرصت على إظهار إنجازاتها وإبداعاتها مرتبطة بأشخاص معينين يقودون مسيرتها ويعملون في ركابها، وجعلتهم كالأبطال والسوبرمان، كشخصية الرئيس السابق ستيف جوبز والذي تنحى منذ مدة بسيطة عن الرئاسة لمرضه، والذي لا أشك أن هناك "بطلا" جديدا سيظهرونه  ليحل محله إعلاميا.

المستقبل مخيف بعض الشيء، وربما كثيرا، ولكنه سيظل دوما حافلا بالمفاجآت غير المتوقعة، ولا أدري فلعلنا نخرج من حالة المترقب المتلقي، ليكون لنا دور في صناعة هذا المستقبل، فليس هذا ببعيد عن متناول أحد، حيث فعلها جواد كريم البنغالي الأصل، الذي كان أحد الثلاثة الذين اخترعوا شبكة "يوتيوب"، تلك التي غيرت، هي وزميلاتها، وجه الإعلام الحديث إلى الأبد!