كتب الزميل والصديق العزيز الدكتور ساجد العبدلي قبل أيام مقالا بعنوان "هل إصلاح الأفراد ضروري فعلا؟" وقد تحدث فيه عمن يحلو لهم القول في كل أزمة سياسية أن الإصلاح يجب أن يبدأ من الفرد على المستوى الشخصي، الأمر الذي يعتبره الدكتور "شرطا مستحيل التحقق"!

Ad

ورغم أنه يقر بأن وعي الفرد وصلاحه مهمان جدا، فإنه يعتبر أهميته على المستوى الفردي فقط، لأن "صلاح الفرد ووعيه يكون لأجل فائدة نفسه... وصلاح المجتمع بأسره فردا فردا أو حتى غالبه أمر مستحيل لم يشهد التاريخ حدوثه... بينما في الكفة الأخرى، شهد ولأكثر من مرة في بلاد الإسلام وغيرها، قيام أنظمة حكم عادلة صالحة، ألزمت الناس، الصالح منهم والطالح، بالسير على الجادة من خلال الدساتير والقوانين والنظم واللوائح، وعاقبت كل من يخرج على هذا النظام ويهدد الاستقرار، وأعادته إلى السبيل، كرها أو طوعا، أو أبعدته فخلصت المجتمع من ضرره وشره"!

ويقول، والحديث لا يزال لزميلنا العزيز إن "الناس في العموم تهمهم مصلحتهم الفردية في المقام الأول، وهذا بالمناسبة منطبق حتى في الانتخابات العامة، فهي تخرج بالنتيجة العامة التي بنيت على اختيارات فردية مال إليها الناس وفقا لمصلحتهم المباشرة أولا...  لكن الأفراد وإن قلنا ذلك عنهم، فإنهم يسترشدون ويهتدون بالنور الذي يتبدى له ممن يتزعمهم ويقفز لقيادتهم"، لذلك، يرى أن ما نحن بحاجة إليه اليوم هو "بروز القيادة الحازمة التي تتدخل لضبط الأمور، وكذلك المجموعات الوطنية الواعية الصادقة للإصلاح، والتي ستعمل لأجله دون البحث عن مصالح ذاتية أو فئوية، ولا يهم أن تكون هذه المجموعات الوطنية كبيرة، بل إن عدة أفراد صالحين يمتلكون الهمة العالية، سيكونون قادرين على قلب المعادلة التي نراها عسيرة على الحل، وسيقودون الجمهور لرفض هذا التدهور وهذا الفساد، والوقوف في وجهه"!

ليسمح لي الدكتور ساجد أن أختلف معه في الرأي هذه المرة، فقد جانبه الصواب وابتعد عن الواقعية والمنطق اللذين عودنا عليهما في جل مقالاته، فهو يأمل أن تنبت البذور وتثمر في الأرض البور دون توافر الظروف، وأن تظهر القيادات الصالحة "فجأة" في المجتمعات الفاسدة لتقوم بضبط الأمور، وتعمل "دون البحث عن مصالح ذاتية أو فئوية"، رغم أنها جزء من الأفراد الذين قال عنهم في ذات المقال إنهم لا تهمهم سوى "مصلحتهم الفردية في المقام الأول" واختياراتهم الانتخابية تأتي  "وفقا لمصلحتهم المباشرة"!

ولأن الزميل الكريم لم يبين لنا الطريقة التي سيصل عبرها هؤلاء الصالحون إلى مراكز القيادة ليقودوا الناس كما فعل من سبقهم في التاريخ الإسلامي، فإنني سأفترض أن وصولهم سيكون إما عبر صناديق الاقتراع وإما من خلال القيام بثورة، فإن كانت الأولى، فالمفروض أن من يقوم بانتخابهم هم الأفراد الآخرون الذين هم في نظر زميلنا يبحثون عن فائدتهم الخاصة فقط، فعلى أي أساس سينتخب هؤلاء "المصلحجية" أولئك "الصالحون" دون فائدة شخصية تعود عليهم من وراء ذلك الاختيار، لأن الأمر يتطلب قبل كل شيء وعيا وصلاحا مجتمعيا يجعل الناس يختارون هؤلاء الصالحين دون غيرهم مفضلين المصلحة العامة على الخاصة، والأمر سيان في حالة القيام بثورة، فلا يمكن لثورة أن تنجح لمجرد أن عددا من الصالحين يقودونها، فالأمر يتطلب مساندة شعبية مبنية على الوعي والإدراك والرغبة في الإصلاح أكثر من أي شيء آخر!

والدكتور معه حق حين يقول إن وجود مجتمع فاضل أو واع بالكامل أمر يستحيل حدوثه، لكن وجود "الأغلبية" الواعية والصالحة أمر قائم بالفعل في كثير من المجتمعات المتحضرة التي تجيد اختيار ممثليها في الأحزاب والبرلمانات، لذلك، نراها تتقدم كل يوم ونتخلف نحن لأننا في الأساس متخلفون عنهم أخلاقيا وثقافيا كأفراد قبل أن نتخلف عنهم كحكومات وبرلمانات!

إصلاح الشعوب يتطلب جهدا ووقتا وصبرا، لكنه الطريق الأمثل للنهضة والتقدم مهما طال الوقت، وانتظار حدوثه خير من انتظار هبات التاريخ التي تحدث مرة كل 100 عام بظهور الوالي العادل الذي يملأ الأرض عدلا ليموت بعد ذلك، ويأتي بعده عشرات  الطغاة ليمحوا كل ما قام به من إصلاح بجرة قلم أو جرة سيف!