أي كارثة؟!
عندما تتشكل الـ"أوركسترا", التي بادرت في ضوء تطورات الأوضاع السورية في الأسابيع الأخيرة إلى عزف ألحان أن سقوط بشار الأسد سيكون كارثة الكوارث, من نوري المالكي ومن الشيخ حسن نصر الله ما غيره ومن جلال الطالباني وميشيل عون ومع هؤلاء جميعاً محمود أحمدي نجاد وعلي خامنئي وعدد من بقايا ما تبقى من الاتجاهات القومية اللفظية التي كانت لإفلاسها قد عقدت لواء القيادة للثورة الخمينية فإن هذا يوضح طبيعة هذا الاصطفاف وحقيقة دوافعه وأهدافه. كيف من الممكن أن يكون سقوط بشار الأسد كارثة، وهل المطلوب أن يبقى الشعب السوري مستعبداً ومضطهداً ويخضع لأحد أبشع أنظمة الحكم التي عرفتها البشرية ليبقى نوري المالكي ومن معه ومن هم على شاكلته بعيدين عن هذه الكارثة التي يتحدثون عنها ويخيفون الناس من ويلاتها...؟! وحقيقة ومهما حاول نوري المالكي إخفاء نواياه ودوافعه فإنه لا يمكن فهم عزف هذه الـ"أوركسترا" على هذه الأوتار إلا على أنه اصطفاف طائفي بائن بينونة كبرى، والمطلوب ألا تخسر إيران، صاحبة هذا المشروع الإمبراطوري الفارسي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية كلها, مجالها الحيوي الحالي في سورية لأنها إن هي خسرت نظام بشار الأسد فإنها ستخسر العراق وستخسر رؤوس جسورها الأخرى في لبنان وفي غزة وفي اليمن وفي البحرين وفي دول خليجية أخرى. إن الخوف, خوف هؤلاء, بالنسبة إلى سقوط بشار الأسد ونظامه هو أن يكون البديل هو القوى الإسلامية المتطرفة، وهو الإخوان المسلمون، وهذا افتراض غير صحيح على الإطلاق، إذ رغم أن هذه القوى تشارك في انتفاضة الشعب السوري مشاركة ربما تكون رئيسية فإنه من غير الممكن أن يكون النظام، الذي سيخلف هذا النظام الذي استبد بهذا البلد العربي وأهله بكل طوائفهم واتجاهاتهم لأكثر من أربعين عاماً، إلا وفق مواصفات الألفية الثالثة، أي نظام تعددي وديمقراطي ومدني وأيضاً علماني، فسورية عانت بما فيه الكفاية من القمع والاستبداد والشمولية وحكم الحزب الواحد، وشعبها بعد أن قدم كل هذه التضحيات التي قدمها والتي سيقدمها لا يمكن أن يقبل أقل من دولة عصرية وحضارية، الوطنية الصادقة فيها مقياس الحكم على كل أبنائها، ولا مجال لأي تسلط لا طائفي ولا حزبي ولا فئوي وبأي شكل من الأشكال. وهكذا فإن المفترض أن يكون نوري المالكي, الذي ادعى بعد عودته من زيارته الأخيرة لواشنطن أنه أقنع الأميركيين والأوروبيين بأن إسقاط نظام بشار الأسد سيكون كارثة! أول الواقفين إلى جانب الشعب السوري في انتفاضته هذه التي هدفها التخلص من استبداد تجاوز عمره الأربعين عاماً طالما أنه كان أحد الذين استعانوا حتى بالدبابات الأميركية للتخلص من صدام حسين وحكمه الاستبدادي وحزبه الذي يحمل نفس اسم "البعث" الحاكم في سورية وله الشعارات والمنطلقات ذاتها. كيف يسمح نوري المالكي لنفسه بأن يستعين بالخارج حتى عسكرياً للتخلص من صدام حسين ونظامه، ويرى في إسقاطه انجازاً وطنياً وقومياً وحضارياً ثم لا يتردد في أن يقف هذا الموقف المستغرب وأيضاً المدان الرافض لانتفاضة الشعب السوري، بحجة أن إسقاط نظام بشار الأسد سيكون كارثة، فأي كارثة هذه؟ ولماذا يقف هو وحسن نصر الله وجلال الطالباني ومحمود أحمدي نجاد وعلي خامنئي على أرضية واحدة؟!