علاج التسامح لفيروسات التشدد!
![تركي الدخيل](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1491377907467332200/1491377907000/1280x960.jpg)
من الخطأ أن نعتبر التسامح بين طرفين عبارة عن غفران من أحدهما للآخر، بل إن التسامح أشمل من ذلك بكثير. في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لم نطبق التسامح كما يجب، بل أخطأنا بفهم التسامح، حيث يفسرونه على أنه "التسامح مع الآخر"، وهذه لفظة تنطلق من أن المتكلم هو المركز وغيره هو الهامش، أو أن غيره أقلية تعطى حق الاختلاف لا بقوة القانون، وإنما بمزاج زعيم الطائفة الذي يضع من نفسه فوقية ما يظنّ أنه التسامح، ولم يعلم أن التسامح لا يكون بين طرف أقوى وطرف أدنى، بل بين طرفين متساويين في الاختلاف. من الأخطاء التي تشوب معنى التسامح لدينا قولهم "التسامح مع المخالف"، ولم يقولوا المختلف، لأن المخالف ذلك الذي ترك الطريق الصحيح وزاغ عن الحق، فيمكن التسامح معه، ولو قالوا المختلف لكان أقرب إلى معنى الخيارات في رؤية الحقيقة والحق والفكرة والطريقة التي كون بها فكره. الجابري وضّح أن التسامح في بداياته كان مرتبطاً بالخروج من هيمنة الكنيسة وظلمها، وأرى أن التسامح لدينا يجب أن يكون منقذاً لنا من الرأي الواحد، والحق المطلق الذي لا صواب غيره عند البعض، بل أن يكون التسامح هو مانح الاختيارات للإنسان في حياته. أتعجب أشد العجب من أن سلوك التسامح الذي برز وبدأ يتشكل منذ القرن السابع عشر لم يصل إلينا ولم نصل إليه، حيث يبدع المخالف لنا حتى في مسائل السواك والمسح على الخفين، وتصل الحال إلى الزندقة والتكفير، حتى إن أحد المفتين قال إن من حرّك أصبعه للتشهد كثيراً قد يصل به الحال إلى الكفر لأن هذا استهزاء بالشهادتين، وهذه الفتوى مثبتة ودليل واضح على أننا نحتقن لأي خلافٍ أو اجتهاد ونكاد نصل إلى نفي بعضنا بعضاً، وإقصاء بعضنا بعضاً، حتى إنه، أحياناً، ولشدة الخلاف تتخيل أن كل إنسانٍ يجب أن يسكن لوحده في قارةٍ مستقلة، لأن كل شخص يريد تحويل بقية البشر إلى مشابهين له، وهذا لا علاج له إلا بالتسامح.