هذا النمط من التفكير والنظر إلى العالم باعتباره مشروعاً للغزو أمر يقلقنا لأنه يدل على أن جهود العلماء كافة والمنابر الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية قد عجزت عن تصحيح مفاهيم الرق والسبايا والأسرى لدى قطاع مجتمعي! لطالما دافع العلماء في مواجهة من قال: كيف يكون الإسلام دين الحرية والكرامة والمساواه وقد أباح الاسترقاق؟!

Ad

في الوقت الذي تنشط فيه الجهود لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر خليجياً وعلى مستوى دولة قطر حيث وافق مجلس الشورى القطري على مشروع قانون مكافحة الاتجار بالبشر، وقامت المؤسسة القطرية لمكافحة الاتجار بالبشر بتوقيع مذكرة تفاهم مع المؤسسة العربية للديمقراطية بهدف تعزيز التعاون والتنسيق في البرامج التدريبية وتنظيم المؤتمرات وورش العمل الهادفة إلى بناء القدرات الوطنية العاملة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، هذه الجريمة التي تعد أخطر وأبشع جريمة منظمة تواجه البشرية اليوم بعد جريمتي المخدرات والسلاح ويشكل استمرارها وصمة عار في جبين الإنسانية، حيث تديرها "مافيا" عالمية تحقق 30 مليار دولار سنوياً من هذه التجارة.

في هذا الوقت بالذات حيث تتجه أنظار العالم إلى منطقة الخليج التي تعج بعمالة وافدة من 180 جنسية، تخرج علينا الناشطة الكويتية سلوى المطيري على إحدى الفضائيات لتطالب بعودة نظام الجواري وتقترح بجرأة مدهشة افتتاح مكاتب للجواري على غرار مكاتب الخدم، وتدعو الحكومة إلى سن قانون ينظم عملية استقدام الجواري وفق ضوابط: أن تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة وتحديد قيمة الجارية بـ2500 دينار ويضع المالك في حسابها 2000 دينار لا تستحقها إلا بعد 5 سنوات في عهدة مالكها، ومن حق المواطن أن يمتلك ما يشاء من الجواري ولا يشترط الدخول بهن أي عقد لأنها حلت بملك اليمين بنص الآية "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين"، كما لا يعتبر رضاها ضرورياً لأنها من جملة أملاكه.

وتطالب الناشطة الكويتية والمرشحة السابقة لمجلس الأمة بإصدار قانون لإحياء نظام التجارة بالجواري طبقاً لما كان موجوداً في المجتعات الإنسانية قديماً قبل إطباق البشرية على تحريمها في القرن الـ18 في اتفاقيات 1831، لكن التساؤل: لماذا تطالب الناشطة الكويتية بعودة نظام الجواري؟ قد لا تصدقون مبرراتها وأهدافها وقد تضحكون حين تقول لصحيفة "السياسة الكويتية" "إن كويتيين كثيرين- لاحظ كثيرين- يلجؤون إلى مصاحبة النساء ويضيعون دينهم ويتخذون البنات خليلات من دون زواج مما يؤدي إلى المعاصي ونقل الأمراض وإنجاب أطفال زنى"... ترى ما الحل؟! إحياء "نظام الجواري" هو الحل السهل عند الناشطة! أي أن هدفها نبيل ومشروع وهو حماية الرجال الكويتيين من الوقوع في المعاصي وما يترتب عليه من نقل الأمراض واللقطاء!

ولكن من أين تستورد المكاتب الجواري في عالمنا الذي حرم فيه التجارة بالبشر وتوعد بجلب من يقوم بها للعدالة الدولية؟! الناشطة الفاضلة عندها الحل الجاهز، إذ تقول بكل بساطة "نعم يمكن استقدامهن من سبايا الروس لدى الشيشان ومن روسيا ودول أخرى "لا أدري من أين علمت أن الشيشان لديهم سبايا روس؟ وما هي مصادرها؟ لكني أعلم أن هناك مافيا روسية نشيطة تتاجر في الرقيق الأبيض وتصدرهم إلى أوروبا والشرق الأوسط، فهل تريد الناشطة المحترمة من مكاتب الجواري المقترحة أن تتعاون مع المافيا في استجلاب الرقيق الأبيض تحت غطاء أنهن سبايا روس حلل الدين الإسلامي امتلاكهن والاستمتاع بهن؟!

تقول الناشطة "الجاريات وجدن للوناسة وأن الدين حلل امتلاكهن شرط أن يكن سبايا غزو دول إسلامية لدول غير إسلامية"، لكني لا أجد في الوقت الحاضر غزواً من دولة إسلامية لغير إسلامية بل الحاصل العكس فمن أين نأتي بالسبايا الجواري؟ وعجيب أمر هذه السيدة أنها وهي امرأة لا تبالي بموقف أخواتها من النساء المتزوجات من اتخاذ أزواجهن لجواري يشاركهن حقوق الزوجية وما يترتب من مشاكل أسرية! كما لا تهتم بالمفاسد الاجتماعية المترتبة على إحياء نظام الجواري وانتشار التجارة فيهن من حيث ظهور سوق للنخاسة تستنزف موارد مالية هائلة فضلاً عن آلاف اللقطاء وانتشار البغاء بشكل يفوق بكثير ما هو حاصل اليوم! ثم كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتعامل مع دولة تسن قانوناً للاتجار بالبشر، وهو جريمة محرمة دولياً؟

لا تأبه الناشطة الفاضلة للآثار والتداعيات المترتبة على اقتراحها وكل همها، كما تقول، حماية الرجال من الزنى، وهي غافلة عن أن اقتراحها يفاقم ما تشكو منه! ما حاجة المواطن إلى تملك 100 جارية وليست عنده الطاقة الكافية لتلبية احتياجاتهن الغريزية غير استغلالهن في وجوه غير مشروعة بهدف التكسب؟! تدافع الناشطة الفاضلة عن رأيها وتقول "هارون الرشيد كان متزوجاً بامرأة واحدة وعنده 200 جارية"، وهو تخبط ينم عن جهلها بالتاريخ، ثم هل هارون الرشيد حجة؟!

صدمتي كانت كبيرة أن أرى ناشطة سياسية واجتماعية، هذا أسلوب معالجتها للمشكلات الجنسية! أرجو أن تسمح لي السيدة الفاضلة بأن أطرح عليها تساؤلاً: هل تعتقدين أن في نظام الجواري الحل الشافي لمشكلة اتخاذ الخليلات؟ إذن لماذا لم ينته نظام البغاء في مجتمعاتنا الإسلامية قديماً مع كثرة الجواري؟! وهل كل الناس عندهم القدرة المالية للتملك؟! ومن أين لك أن كثيرين من الرجال يتخذون خليلات! قد لا يكون الاقتراح بعودة الجواري بذي أهمية فهو مجرد وجهة نظر ترى استمرارية إباحة الجواري دينياً، لكن المشكلة أن هناك من لا يزالون يرون رأي الناشطة ويجادلون في الحكم الشرعي للرق وأنه مازال مشروعاً لكن حال دون تنفيذه ضعف الدول الإسلامية وعدم قدرتها على الغزو واتخاذ السبايا ولو أصبح المسلمون أقوياء فإن الأمور ترجع إلى سابقتها!

هذا النمط من التفكير والنظر إلى العالم باعتباره مشروعاً للغزو أمر يقلقنا لأنه يدل على أن جهود العلماء كافة والمنابر الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية قد عجزت عن تصحيح مفاهيم الرق والسبايا والأسرى لدى قطاع مجتمعي! لطالما دافع العلماء في مواجهة من قال: كيف يكون الإسلام دين الحرية والكرامة والمساواه وقد أباح الاسترقاق؟! عندما جاء الإسلام كان الرق نظاماً اجتماعياً راسخاً ودعامة انتاجية كبيرة لدى الشعوب والأمم كافة، ولم يكن من الحكمة والإصلاح إلغاؤه فجأة، خصوصاً أن حالة العداء بين المسلمين والآخرين مستحكمة وكان الأعداء يسترقون أسرى المسلمين فلم يشأ الإسلام أن يحرمهم سلاحاً يستخدمه الأعداء، لكنه وضع نظاماً متدرجاً ينتهي إلى إلغاء الرق بانتهاء حالة الحرب بنهاية القرن الأول الهجري، لذلك أبطل كل روافد الرق وأبقى رافد الأسر بعد الحرب مخيراً الإمام في الأسير، وأن يكون من باب المعاملة بالمثل، ثم فتح أبواب العتق واسعاً وجعله كفارة لكثير من المعاصي ومن أعظم القربات، ولم يكتفِ الإسلام بذلك بل فرض على الدولة أن تخصص سهماً من الزكاه أي من الميزانية لتحرير العبيد مصداقاً للآية "وفي الرقاب"، وفي هذا يقول العلماء: إن الإسلام شرع العتق ولم يشرع الرق، وهو مقولة صحيحة كما أن القرآن إذ أباح ملك اليمين فإنما كان يعالج وضعاً اجتماعياً قائماً لكنه لا ينشئ وضعاً جديداً بل إن حكم القرآن النهائي في الأسرى خَيَّر إمام المسلمين بين أمرين لا ثالث لهما بصيغة "إما" الحصرية في قوله تعالى "فإما مناً بعد وإما فداء" أي بعد الانتصار إما أن نطلق سراح الأسرى من غير مقابل أو نبادلهم بأسرى، هذا هو الحكم النهائي للأسرى، وقد يقال إذا كان الأمر كذلك فلماذ استمر الرق؟ والجواب أن المسلمين لم يسيروا على نهج القرآن وتعاليمه في موضوع الأرقاء مثلما لم يسيروا على نهجه في تطبيق الشورى والعدالة والحرية والمساواة... فاستمر الرق، وإذا كانت البشرية قد انتهت اليوم من موضوع الرق وانتهى أمره ووقعت دولنا عن المواثيق الدولية وانضمت إلى اتفاقياتها فلا معنى ولا قيمة للقول بعودة نظام الجواري.

* كاتب قطري