الشعب يريد...
طوال 18 يوماً كانت صيحة مئات الآلاف من شباب الثوار في «ميدان التحرير»، مع صيحات الملايين من شعب مصر كله واحدة ثابتة «الشعب يريد إسقاط النظام»، لا تتغير في صباح أو مساء، ولا تتبدل بين يوم وآخر، وكان الإصرار واضحاً والعزيمة قوية والإرادة صلبة، فتحقق للشعب ما يريد.وبعد ذلك بدأ النصف الثاني من الشعار يختلف بين وقت وآخر وجماعة وأخرى، إلى درجة أن البعض طالب ببطولة كروية مرددين «الشعب يريد...»، فيرد عليه جمهور مضاد بسباب بذيء يجرمه قانون الآداب، وأيضاً مرددين «الشعب يريد...»، واهترأ الشعار وتهالك وفقد معناه والكل أصبح يردد «الشعب يريد...»، وباختصار انفرط العقد كما يقولون وأصبح كل فرد يجمع حوله 10 أو 20 شخصاً يخرج بتظاهرة ويردد «الشعب يريد...»، وادعت كل جماعة أن ما تطالب به هو مطلب الشعب كله وما تريده هو إجماع الأمة بأسرها وكل هذا- للأسف- أقوال مرسلة ودعاوى مبهمة لا تستند إلى واقع أو برهان، فلا يمكن لفئة مهما كان عدد أفرادها أو جماعة صغيرة أو كبيرة أن تصبح الوريث الشرعي للشعار وتؤكد أن هذا هو ما يريده الشعب.
بالتأكيد من حق كل جماعة أو حزب أن يطالب بما يراه في مصلحته وبما يعتقد أن في مصلحة مصر، لكن ليس من حقه الادعاء بأن ما يطالب به هو مطلب الشعب كله. لقد كان مطلب الشعب واحداً واضحاً أصرت عليه الملايين، وهو ما تحقق بالفعل في 11 فبراير.أما الآن فقد تفرق الجمع واختلفت الآراء وهذا طبيعي ومتوقع في ذاته، وبالتالي فلا يجب أن تدعي أي جماعة أن رأيها هو رأي الشعب كله، لذلك فما تدعيه الآن جماعة «الدستور أولاً» بأن هذا هو مطلب الشعب أمر مخالف للحقيقة، فالاستفتاء الذي وافق عليه أكثر من 75 في المئة من الشعب بكل طوائفه من نساء وشيوخ ورجال (وليس فقط القادرون على الذهاب إلى ميدان التحرير) كان له مسار محدد وبرنامج زمني واضح. أما أن نأتي الآن ونعود بالقضية إلى نقطة الصفر بدعوى أن «الشعب يريد...»، فهو أمر مرفوض تماماً سواء تم بجمعة مليونية أو اعتصام مفتوح أو غيره، فكل ذلك لا مبرر ولا قيمة له لأنه سيصطدم في النهاية بنتيجة الاستفتاء الذي شهد له الجميع بالحيادية والنزاهة. فهل تريدون استفتاءً جديداً حول الدستور الجديد؟ أم نكتفي برأيكم باعتباركم النخبة والصفوة وحديثكم حق وكلامكم صدق؟ وما الحل لو جاءت نتيجة الاستفتاء الجديد برفض ما أعددتموه؟ أنعود مرة أخرى للخلف در؟! نعم هناك من يرفض الانتخابات ويريد الدستور أولاً، وهذا رأيه وحقه لكن هل يفرضه على الجميع بالقوة؟ هل يصر عليه من منطلق إما هذا وإلا فلا؟ هل يجبر الآخرين على السير وراءه؟ وما قيمة الاستفتاء إذن؟ وما معنى الديمقراطية وأين هي وكيف يفهمها هؤلاء إذا لم تكن هي الاحتكام إلى الاستفتاء وصناديق الاقتراع والالتزام برأي الأغلبية؟إن ضياع الوقت والجهد في مناقشات عقيمة والقيل والقال حول أمور انتهينا منها- أو من المفترض ذلك- أمر لا يقبله أحد ويرفضه العقل والمنطق السليم فعودوا إلى رشدكم وآمنوا بجوهر الديمقراطية الحقيقي وحافظوا على دماء الشهداء وأسعدوا أرواحهم، فالمستقبل الذي ضحوا بحياتهم من أجله في انتظاركم ويحتاج إلى عمل طويل وشاق ووقت أثمن من أن نضيعه في حوار عقيم لا جدوى منه.*** بعض المقالات والكتابات التي تمتلئ حقداً على الثورة المصرية لا تستحق التعقيب والرد ولا يجب أن تغضب أحداً- أقول هذا للإخوة الغاضبين مما يكتبه البعض- فهذه المقالات لا تمثل فكراً يمكن مناقشته أو رأيا يجب محاورته، بل هي بالضبط كما قال أحد كتابها في عنوانه مقالات «تقرف».