النضال الذاتي!

نشر في 06-09-2011
آخر تحديث 06-09-2011 | 00:01
No Image Caption
 تركي الدخيل ما من شك في أن المناضلين الذين اهتموا بقضايا شعوبهم واعتنوا بها بكل قوةٍ واقتدار ساهموا في رسم مستقبلٍ أفضل لشعوبهم على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. إذا أتينا إلى نموذج نيلسون مانديلا مثلاً نجد أنه استطاع من خلال نضاله الطويل أن يضع حداً للعنصرية ضد السود في جنوب إفريقيا، وكذلك الأمر لدى غاندي الذي ناضل سلمياً من أجل طرد الاستعمار وكفّ يده عن الهند وخيراتها. وقُلْ مثل ذلك عن المناضلين الآخرين في أصقاع الأرض الذين يأخذون الإنسان مأخذ الجد في مشاريعهم السياسية والإصلاحية.

ومع ازدهار مفهوم النضال لدى المجتمعات بعد زمن الثورات، واتساع رقعة النشاط الاجتماعي، أو السياسي، يمكننا أن نذكّر بنضالٍ من نوعٍ آخر؛ إنه النضال الذاتي. أن يكون لذواتنا النصيب الأكبر من نضالنا. أن نناضل في سبيل تحرير ذواتنا من الأعباء التي ترهق ولا تفيد، من تضييع الوقت، أو تبذير الطاقة، أو التورط في مساوئ الأخلاق والسلوكيات، كل تلك الثغرات يمكن أن نكافحها من خلال نضالنا الذاتي. إن أعظم الناس هم أولئك الذين استطاعوا أن يجعلوا من نضالهم وسيلةً لتغيير أنفسهم، ووسيلةً لتغيير عاداتهم، أو أنماط عيشهم وسلوكهم. لا يمكن أن يكون النضال فقط موجهاً للآخرين، بل النضال يبدأ من الذات ومنها ينبع، والذين يخفقون في تغيير ذواتهم لا يمكنهم أن ينجحوا في تغيير غيرهم.

العظماء في شتى المجالات، في الفنون والآداب والعلوم، فضلاً عن العظماء في السياسة والمجتمع والتغيير، كل أولئك لم يكونوا منفصلين عن المشاريع التي يدعون إليها، بل كانوا يمارسونها قبل أن يحثّوا غيرهم على القيام بها أو ممارستها. لا يمكن لإنسانٍ فاسد في وظيفته أن يتحدث بتذمر عن الفساد وينتظر من الناس تصديقه، كما لا يمكن أن يمارس الإنسان الظلم في بيته وهو يطالب حاكمه بالعدالة. إن الذات هي مصدر التغيير، وليس الناس. إن الذين يريدون تغيير الناس وينسون أنفسهم وذواتهم لا يمكنهم أن يطرحوا أنفسهم كأناسٍ لهم صدقيتهم في الطرح، أو مكانتهم في المجتمع، إن الصدق هو محور التغيير، الصدق مع المبادئ التي نريد.

من نماذج التغيير الجميلة تصريحات أدلى بها مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي، حينما طالب بمحاكمة عادلة يخضع لها الذين عملوا مع القذافي، فإنه أعلن أنه أول من سيمثُل للمحاكمة. مشكلة بعض الذين ينادون بالمبادئ الكبرى على مستويات التغيير والإصلاح أنهم يستثنون أنفسهم من أعباء التغيير، وهذه مشكلة عدم الاطراد مع الأفكار والحلول التي يطرحها هذا الإنسان أو ذاك. إن التغيير لا يمكن أن يكون فقط للآخرين بل ينبغي أن يمسّ -أول ما يمسّ- الذات، والإنسان الذي يدعو إلى المبدأ نفسه.

ينشد المجتمع الحي التغيير، ويجد في النضال من أجل إحقاقه فرصةً لرسم المستقبل المنشود، والمناضل أيضاً يرى في الحفاوة الاجتماعية التي يحاط بها من قبل الناس فرصةً لمطالبتهم أكثر وأكثر بالمبادئ التي يريد، لكن ما نغفل عنه أحياناً أن السياسي والحاكم والطاغية لم ينبت مثل الكمأة بلا جذور، بل إن الضعف الاجتماعي هو الذي يؤسس لـ»القابلية للاستبداد» وإذا كان مالك بن نبي يلوم المجتمعات المستعمَرة أكثر من المستعمِر نفسه فإنه كان يشير إلى مصطلحه الذي نحته وهو «القابلية للاستعمار» هكذا هي الأمور، الكثير من المساوئ التي تحدث للمجتمعات ناتج عن ضعف الذوات، وفي القرآن يقول تعالى: «فاستخفّ قومه فأطاعوه»، فالمجتمع من خلال ضعفه الذاتي يمنح الطاغية فرص الاستبداد.

إن النضال يبدأ من الذات، وحين تصلح معظم الذوات فإنه تلقائياً يختفي الظلم ويزول بنيان الطغيان، إذا دعوتَ إلى شيء فكنْ أنت أول من يمتثل له، من هنا يكون النضال الذاتي بوابة للتغيير الاجتماعي الشامل.

back to top