العنوان أعلاه هو الشعار الذي كان رفعه الشباب في تظاهراتهم ضد رئيس الحكومة السابق، الشيخ ناصر المحمد، وهي التظاهرات التي انتهت بالفعل برحيله، وهو نفسه الذي كنت أبديت تحفظي عليه، وانتقدته آنذاك في أكثر من مقال وتصريح، من باب أنه هلامي جداً ومطاطي، مما خلق لي توتراً مع كثير من الأطراف وللأسف.
وكنت أعني حينها بأنه لا يوجد فيه ما يقودنا إلى معرفة المنهجية التي سيكون من خلالها تحقيق ذلك، والحقيقة أن هذا ما حصل تماماً، فقد غابت المنهجية في كل ما جرى بعد ذلك، رغم تحقق ظاهر الشعار بطبيعة الحال.رحل الرئيس السابق، وجاء رئيس جديد ولا شك، وتشكلت على يده حكومة جديدة، ولكن بطريقة لم تختلف مطلقا عن الطريقة المعتادة، حيث جاءت على مستوى أقل من الطموحات بمراحل، بل تضمنت في داخلها أسماء شكلت استفزازاً بحد ذاتها خصوصاً الوزير أحمد الرجيب الذي كان قد رفض وشكك صراحة في مقال له بتظاهرات الشباب، والوزير مصطفى الشمالي الذي هو جزء ظاهر وشهير من وزراء المرحلة السابقة التي منيت بالإخفاق الشامل، وثالثة الأثافي أن «نهجاً جديداً»، كما كان يطالب الشعار المرفوع في تلك التظاهرات الحاضرة في الذاكرة، لا يلوح في الأفق، اللهم إلا في التصريحات الحكومية الإنشائية.لكن المزعج في كل الذي حصل، أن هذه التغييرات التي حصلت، لتلامس ظاهر الشعار الذي كان رفعه الشباب، ولم تنفذ إلى عمقه أبداً، كانت كافية لإخماد حماس التغيير الشبابي المتأجج في المرحلة السابقة، فاليوم يظن أغلب هؤلاء بأن المراد تحقق، وأن «معركة التصحيح» قد انتهت، في حين أن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك، وكل ما حصل هو تغيير لمواقع الأحجار على رقعة الشطرنج، لا أكثر!أنا مؤمن تمام الإيمان بأن واقعنا المحلي لا يزال كارثياً بكل ما يمكن أن تحمله الكلمة من معنى، مهما تغيرت الوجوه، لأن العقلية التي تقود المسائل لا تزال هي ذاتها، والقناعات لم تتغير، وعناصر التفجير لا تزال موجودة، والفتائل على أهبة الاشتعال في أي لحظة. والخطير في هذا كله، أن نافذة الزمن التي كان يسعنا أن نمارس من خلالها كل أشكال التخبط والهدر والتأخر في صناعة تلك الكويت القادرة على خوض غمار المستقبل والصمود في لجج تحدياته، آخذة في الانحسار، إن لم تكن انحسرت فعلاً، وأعني بذلك أن ما كان بالأمس يمكن إصلاحه أو بناؤه بألف دينار، صار اليوم بحاجة إلى عشرة آلاف، وسيحتاج غدا إلى مئة ألف، وفي غضون فترة بسيطة سيتجاوز ذلك بأضعاف مضاعفة، إن لم يصبح مستحيلاً.مدار حديثي كله حول جزئية «النهج الجديد»، فأين هو النهج الجديد في إدارة البلاد اليوم، سياسياً واقتصادياً وتنموياً واجتماعياً وأمنياً؟ أي مراقب سيجيب بأنه حتى هذه اللحظة لا يوجد!وشخصياً لا أعوّل على أي نجاحات ستحصل في هذه المرحلة، على أي صعيد كانت، لأن هذه النجاحات، ومهما كان حجمها لا تعني شيئاً في ظل غياب المنهجية السياسية والإدارية السليمة خلفها، وستكون في حقيقتها خاضعة للظروف وفعل المصادفة وحسن الحظ لا أكثر.هذا الإدراك يجب أن يكون حاضراً لدى كل كتلة نيابية وسياسية تزعم بأنها تدرك ما تقوم به، وتعرف حجم التحديات القادمة التي تواجهها الكويت، وأما تلك التي تنخرط في مجاراة هذا الذي يجري الآن، دون أن يكون قائماً على أساس ومنهج إصلاحي حقيقيين، فهي تشارك، وإن كان من حيث لا تدري، في قيادتنا جميعا نحو الهاوية.يا سادتي، الكويت بحاجة إلى مشروع إصلاحي حقيقي، وأما هذا الذي يجري الآن فكله مجرد عبث، وكلام فارغ للأسف.
مقالات
رئيس جديد... حكومة جديدة... نهج جديد
28-02-2012