الساهر غنّى قباني... دوامة القتل لا تقوى على خنق الحب!
أحيا «عيد العشاق» مع جمهوره العربي رغم المطالبات بالغاء الحفلة
ملك الرومنسية نزار قباني وقيصرها كاظم الساهر كانا حديث لبنان وشغله الشاغل السبت الماضي. كان غريباً أن تعجّ صفحات "الفايسبوك" طوال اليوم بجملٍ مقتبسة من قباني وأن يغرّد الشباب والكبار على "التويتر" بأجمل ما لُحِّن له من قصائد. هي ثورةٌ من نوعٍ آخر، سمِّها ثورةً على الحزن والمآسي والقلق المتجذّر في قلب العربي الباكي. ولم تمنع الأجواء المشحونة بالتوتُّر بعد مناوشات مدينة طرابلس في اليومين الماضيين، ولا الأحداث الدامية في سورية، ولا دعوات السلفيين في مصر الى مقاطعة عيد العشاق آلاف اللبنانيين والعرب من التوجه الى صالة الفوروم للاستمتاع بأشعار نزار قباني بأجمل صوتٍ غناه على الاطلاق. بدا وضحاً أنّ الشعب العربي يريد في ما يريد الحبَّ أيضاً. فهو مُتعطَّش إليه تماماً كتوقه الى الحرية والانعتاق. والجمهور الحاضر تعدى الخمسة آلاف، وكان من مختلف الأهواء والمشارب لبنانياً وعربياً تتقدمه شخصيات رسمية من أعلى المستويات ووجوه فنية راقية. "أفضل هدية لي في حياتي كلّها هي هذه الحفلة ولشدّة حماستي لم يغمض لي جفن ليل امس"، تقول ندى التي حضرت خصيصاً من الاردن. خالد القادم من سورية يشاطرها الرأي: "ليست من رومنسيةٍ أروع من تلك المتجلية أمامنا الآن شعراً ولحناً وصوتاً". وحين تسأله عن حضوره حفلة عاطفية فيما بلده يتخبّط في أتون الحرب، وعن دعوات الفايسبوكيين السوريين الساهر الى إلغاء حفلته احتراماً للأرواح يجيب بثقةٍ: "الحب لا ينطق بلغة البشر. هو أسمى من اللحظات الدنيوية. إذا اختفى الحب من يومي أفضّل ألا أحيا". ويكمل: "ما حضرت الى بيروت لسماع أغنيات وطنية. لدينا ما يكفي منها على الشاشات. أسعى إلى سرقة لحظات من السعادة في أيامي الملأى بالدم ومشاهد الموت والدمار". وتنبري سورية أخرى مدافعةً عن حضورها الحفلة قائلةً: "البعض قال إن نزار لو كان حياً لما رضي إلا بإنشاد أغانيه الوطنية. مصيبتنا في العالم العربي، هي أننا نريد دوماً فرض أهوائنا وآرائنا على الآخرين ونفعل ذلك دوماً باسم الشعب، الذي يموت اليوم دفاعاً عن هذه الحرية بالذات، حرية الرأي والاختيار". وتضيف بابتسامة عريضة: "أنا هنا لأني أحب الشعر، وأعشق صوت قيصر الغناء. أنا هنا لأني أحبّ الحياة، وهذا لا يعني أنني سعيدة لسقوط القتلى في بلدي، ولكن دوامة القتل عاجزة عن خنق أنفاس الحب، فهو أقوى من الموت نفسه!". ساد الصمت وحُبِست الأنفاس بعدما تصدّرت الفرقة الموسيقية خشبة المسرح لتعزف مقاطع متنوعة من أعمال الساهر القديمة على خلفية شاشةٍ عملاقة تعرض مشاهد من مجرّات الكون وهي تتألق في الفضاء بكواكبها ونجومها المتناثرة. وأطل القيصر بوقاره المعهود فضجّت الصالة بتصفيقٍ متواصل وانتصب الحضور مرحباً، وما لبث ان عاد الى مكانه بانضباطٍ غير معهود، مُلزِماً نفسه الصمت، "إني خيرتك فاختاري" أنشد الساهر وإذ بالمجرّة ونجومها تتحوّل شيئاً فشيئاً الى بتلات من الورد الأحمر. وتوقفت الموسيقى فألقى الساهر تحية الخير والحب على جمهوره داعيا الله ان يحرس شباب الوطن العربي ويساعده على ايصال احساسه بالشكل المناسب. وانطلقت الفرقة الموسيقية العراقية بمرافقة صبايا الكورس اللبنانيات بمطلع "زيديني عشقاً من ألبوم "مدرسة الحب"، وكرّت السبحة فـ"علمني حبك"، و"قولي أحبك" و"أكرهها" و"أشهد ألا امرأة" و"صباحك سكر" وغيرها من اغنيات حفظت لها مكاناً في الذاكرة العربية. لم يغن كاظم وحيداً فالحضور لم يتركه لحظة يتيمة يغني منفرداً. أبى إلا أن يشاطره الغناء، فالجميع حفظ الكلمات عن ظهر قلب، فصفقت الأيادي وتمايلت القامات وشخصت العيون اعجاباً. توقّف المطرب بعد ساعتين سائلاً جمهوره إن كان التعب قد أخذ منه، فتعالى الهتاف مطالباً بالمزيد، امتثل القيصر مغنياً "كل عام وانت حبيبتي". وقبل الختام أهدى العراق أغنيةً وطنية طعّمها بمقاطع ذكر فيها لبنانَ البلدُ الذي عرف دوماً كيف يتذوّق الأصالة وكيف يتشبّع منها بما يكفي لابقائه حياً في أيامٍ حالكة مقبلة!