لماذا نعتبر المخاطر في الهند أعظم منها في الصين؟
![ستيفن س. روتش](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
وإنها لمبالغة خطيرة أن نزعم، كما يفعل كثيرون اليوم، أن الاقتصاد الصيني عبارة عن فقاعة عقارية هائلة الحجم. صحيح أن إجمالي الاستثمار الثابت يقترب من مستوى غير مسبوق من الناتج المحلي الإجمالي (50 في المئة)، ولكن العقارات السكنية وغير السكنية مجتمعة تشكل ما لا يزيد على 15 في المئة إلى 20 في المئة من تلك النسبة، وما لا يزيد على 10 في المئة من الاقتصاد الإجمالي. ومن حيث المساحة الأرضية فإن المباني السكنية تشكل نصف الاستثمار في العقارات في الصين، ويشير تحديد الحصة من العقارات السكنية التي تذهب إلى شركات خاصة في المدن الكبرى العشر أو ما إلى ذلك (والتي تمثل أغلب الحركة النشطة في سوق العقارات الصينية) إلى أن أقل من 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قد يتعرض للخطر في حالة انهيار سوق الإسكان، وهو ما لا نستطيع أن نصفه بالهبوط الحاد بطبيعة الحال.أما عن البنوك الصينية، فيبدو أن المشكلة الرئيسة تتلخص في التعرض لديون الحكومات المحلية المتضخمة، والتي بلغ مجموعها وفقاً لبيانات الحكومة 1.7 تريليون دولار أميركي (ما يقرب من 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) بحلول نهاية عام 2010. وكان نصف هذا الدين تقريباً على دفاتر البنوك قبل اندلاع الأزمة،وقد تنتهي بعض الديون الجديدة الناتجة عن التحفيز إلى التعثر، ولكن مشاريع التحضر المستمرة- التي تساعد في انتقال نحو 15 إلى 20 مليون شخص سنوياً إلى المدن- توفر قدراً هائلاً من الدعم في جانب الطلب على الاستثمار في مشاريع تنمية البنية الأساسية وتشييد المباني السكنية والتجارية، وهذا من شأنه أن يخفف من المخاطر التي قد تتعرض لها جودة الائتمان، وأن يعمل إلى جانب انخفاض نسب القروض إلى الودائع نسبياً عند مستوى 65 في المئة تقريباً على تخفيف الصدمات التي قد يتعرض لها النظام المصرفي الصيني.أما الهند فهي أكثر تعقيدا، ولأن الهند صاحبة الاقتصاد الوحيد في آسيا الذي يعاني عجزا في الحساب الجاري، فمن غير الممكن الاستخفاف بالمشاكل المرتبطة بالتمويل الخارجي للهند. إن زخم النمو الاقتصادي فيها بدأ ينحسر، مثلها في ذلك مثل الصين، ولكن خلافاً للصين، كان الانحدار أكثر وضوحا، حيث هبط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى عتبة الـ7 في المئة أثناء الربع الثالث من عام 2011، كما هبط الناتج الصناعي السنوي بنسبة 5.1 في المئة في أكتوبر.ولكن المشكلة الحقيقية هي أن السلطات الهندية، على النقيض من السلطات الصينية، تتمتع بقدر أقل كثيراً من المرونة السياسية، فعلى سبيل البداية، تقترب الروبية الآن من مشارف السقوط الحر، وهذا يعني أن بنك الاحتياطي الهندي- والذي رفع أسعار الفائدة القياسية ثلاث عشرة مرة منذ بداية عام 2010 في محاولة لعلاج مشكلة التضخم التي لاتزال خطيرة- أصبح غير قادر على تخفيف السياسة النقدية. فضلاً عن ذلك فإن عجز الموازنة الحكومية الموحد الهائل والذي بلغ نحو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي يعمل على إعاقة قدرة السياسة المالية في الهند على المناورة. وفي حين تُعَد الصين في وضع أفضل من الهند، فمن غير المرجح أن ينهار الاقتصاد في أي من البلدين من تلقاء ذاته، بل إن الأمر سوف يتطلب تلقي صدمة أخرى خارجية لتحريك الهبوط العنيف في آسيا.من بين الاحتمالات الواضحة اليوم أن ينهار الاتحاد النقدي الأوروبي، وفي هذه الحالة، فإن كلاً من الصين والهند، شأنهما كشأن أغلب اقتصادات العالم، قد تنزلقان إلى مصاعب خطيرة، في ظل الانكماش الصريح للصادرات الصينية، كما حدث في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، وتصاعد الضغوط المفروضة على التمويل الخارجي بالنسبة إلى الهند.ورغم أنني أظل متشككاً في اليورو، فأنا أعتقد أن الغلبة سوف تكون للإرادة السياسية المطلوبة لتعزيز عملية التكامل الأوروبي. وبالتالي فأنا أعلق احتمالاً ضئيلاً على تفكك اتحاد العملة، وما لم ينته الأمر إلى هذا السيناريو الأسوأ على الإطلاق بالنسبة إلى أوروبا، فإن احتمالات حدوث هبوط عنيف في أي من الهند أو الصين لابد أن تظل منخفضة.لقد بدد الغرب قواه باستسلامه لإغراءات الازدهار الزائف التي قدمها الاقتصاد السياسي، أما آسيا فقد نجحت، مدفوعة في ذلك بالحس الاستراتيجي السليم والاستقرار، في البناء على قوتها الجديدة، ولكن الآن بات لزاماً على آسيا أن تعيد اختراع نفسها. ذلك أن الركود على النمط الياباني في العالم المتقدم من شأنه أن يفرض تحدياً هائلاً على آسيا التي تعتمد على التصدير إلى الخارج، وأن يدفعها إلى تحويل تركيزها إلى الطلب الداخلي، والواقع أن الضغوط السلبية التي تعتصر الصين والهند حالياً تؤكد بقوة هذا التحدي، ولعل اللحظة الحاسمة في تحديد مصير آسيا باتت قريبة الآن.* عضو هيئة التدريس بجامعة ييل، والرئيس غير التنفيذي لمؤسسة مورغان ستانلي في آسيا، ومؤلف كتاب «آسيا التالية»."«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»