من الطبيعي جداً أن ينزعج البعض من نتائج الانتخابات، ويفرح لها البعض الآخر، لكن ما يجب علينا جميعا الاعتراف به هو أنها كانت نتاجا طبيعيا لواقعنا الحالي بكل سلبياته وإيجابياته، ومن هذا المنطلق فإن على من لا تعجبه نتائج الانتخابات أو من انزعج منها أن يحترم أولاً الإرادة الحرة للناس التي تحققت ضمن معطيات ذاتية وموضوعية معينة.

Ad

وثانيا ألا يكتفي بإبداء امتعاضه وعدم رضاه، أو يستسلم للأحلام والأماني غير الواقعية، بل عليه أن يشخّص بشكل علمي صحيح الأسباب التي أدت إلى أن تكون النتائج على هذا الشكل، ثم يعمل بعد ذلك بين الناس ومعهم ضمن الأطر الدستورية والقانونية لتغيير الواقع الاجتماعي والسياسي الموضوعي الذي من المؤكد أنه سيترتب عليه مستقبلا تغيير في أمزجة الناس ووعيهم، ونوعية اصطفافاتهم السياسية والاجتماعية، وهو الأمر الذي سينعكس حتما على نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة.

وفي هذا الصدد فإنه من الأهمية بمكان عدم تضييع الوقت والجهد على الأعراض، بل البحث عن الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ما نحن فيه من فوضى، والتي يأتي في مقدمتها انحراف بناء الدولة الدستورية الديمقراطية، وتحول نظامنا الديمقراطي الذي وضع أسسه دستور 1962 إلى نظام جامد ومشوّه بعد أن عملت القوى السياسية المتنفذة- التي لم تقبل في يوم من الأيام العمل تحت سقف الدستور يساندها في ذلك مؤسسة الفساد الضخمة خلال العقود الأربعة الماضية- على إفساد وضعنا السياسي، وتدمير نسيجنا الوطني، وتغييب مبادئ الديمقراطية الحقيقية وقيمها مثل قبول الاختلاف والتنوع واحترام الرأي الآخر، وحماية الحريات العامة والشخصية وحفظ حقوق الأقلية، ثم أفسحت المجال واسعا للقوى غير المؤمنة حقيقة بالديمقراطية كنظام حكم للتكسب انتخابيا، والعمل على تأجيج الاصطفافات العنصرية والفئوية والطائفية والمناطقية في مخالفة صارخة للمبادئ الديمقراطية الحقيقية. لهذا فقد أصبحت الديمقراطية بالنسبة إلى قطاع واسع من المواطنين ليست سوى إجراءات شكلية عقيمة وصندوق اقتراع، وأضحى العمل السياسي برمته محصورا في مجلس الأمة للدرجة التي جعلت أخبار أعضاء المجلس وتحركاتهم اليومية وهمساتهم ورسائلهم الهاتفية تطغى على ما عداها من أخبار محلية وخارجية غاية في الأهمية.

بالإضافة إلى ذلك، فقد ترهلت مؤسسات الدولة الدستورية، وضعف دورها، واستخدمت بشكل منحاز سياسيا، فلم تعد قادرة على حماية الحقوق الدستورية للمواطنين، وهو الأمر الذي جعلهم يلجؤون مضطرين في أحايين كثيرة للتشكيلات الاجتماعية والدينية التي تشكلت قبل نشوء الدولة الحديثة مثل القبيلة والعائلة والطائفة للحصول على حقوقهم المشروعة، ولتحقيق الحاجة الإنسانية للانتماء، وهو ما يتعارض للأسف الشديد مع مفهوم الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة التي يكون الانتماء فيها إلى الوطن أولاً.

***

نافذة: نتضامن مع الشعب السوري البطل لنيل مطالبه المشروعة في الكرامة الإنسانية والحرية، وهو حتما سينتصر قريبا مهما فعل الطغاة، لكن حذار من تحويل الكويت مسرحا للصراعات الإقليمية، فالوضع غاية في الخطورة، ويكفي ما عانيناه من تدمير لنسيجنا الاجتماعي خلال الأعوام القليلة الماضية، والذي رأينا نتائجه بشكل صارخ في الانتخابات العامة التي جرت نهاية الأسبوع المنقضي.