محاولات إنعاش مجلس التعاون المغاربي، الذي يضم المملكة المغربية والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، والذي أصيب بإغماءة طويلة لأسباب متعددة وكثيرة، تدل على أن هناك توجهات، انسجاماً مع المرحلة المستجدة، للعودة إلى التكتلات الجهوية العربية على غرار ما كان عليه الوضع في ثمانينيات القرن الماضي، ولكن بصيغ واهتمامات غير الاهتمامات والصيغ السابقة.

Ad

كانت قد برزت في ثمانينيات وبدايات تسعينيات القرن الماضي ثلاثة تكتلات جهوية عربية هي مجلس التعاون الخليجي الذي ضم دول الخليج العربي الست، ومجلس التعاون العربي الذي ضم مصر والأردن والعراق واليمن، ومجلس التعاون المغاربي الذي ضم دول شمالي إفريقيا الآنفة الذكر، وحقيقة أن هذه التكتلات كانت قد شكلت محاور واستقطابات سياسية أكثر منها تجمعات اقتصادية للتعاون بين الدول الأعضاء.

كان العراق، بالطبع في زمن صدام حسين، قد اعتبر أن مجلس التعاون الخليجي قد تشكل خلال انشغاله بالحرب مع إيران ومن وراء ظهره في محاولة للتوازن معه وكان يعتقد أن استثناءه من عضوية هذا المجلس كان مقصوداً حتى لا يُشكل الرقم الرئيسي في المعادلة التي يتغلب اللون السياسي فيها على اللون الاقتصادي، وكانت المملكة العربية السعودية تتوجس خيفة وساورتها بعض الشكوك المحقة في أن تشكيل مجلس التعاون العربي من دول إما محاددة لها كاليمن والأردن والعراق وإما قريبة من فضائها السياسي كمصر هو استهداف لها ولدورها ومكانتها لا في هذه المنطقة فقط بل في المنطقة العربية كلها، أما بالنسبة للمجلس المغاربي فإن قضية الصحراء كانت مشكلة المشاكل الأولى بالنسبة إليه، وذلك في حين أن المشكلة الثانية كانت ألاعيب القذافي ومؤامراته وتطلعاته الاستحواذية على دول شمالي إفريقيا كلها وبخاصة تونس وموريتانيا.

ولهذا ولأن مجلس التعاون العربي كان قد تشكل لهدف آني ولأن تشكيله من مصر والأردن والعراق واليمن جاء استجابة لرغبة صدام حسين في تطويق مجلس التعاون الخليجي من جهة، وإنشاء كتلة عربية قوية وفاعلة مؤيدة له وتقف خلف توجهاته وتطلعاته من جهة ثانية، فإنه لم يعش طويلاً وإن نهايته كانت أقرب مما كان يتوقع الأكثر تشاؤماً من بين أعضائه.

والآن وقد بدأت المنطقة العربية تتشكل مجدداً على أسس غير أسس مرحلة صراع المعسكرات واستقطابات عقود النصف الثاني من القرن الماضي، فإنه منطقي جداً بل ضروري جداً أن تكون هناك عودة للتجمعات أو التكتلات الجهوية ولكن لأهداف اقتصادية بالدرجة الأولى حيث أصبح التكامل الاقتصادي بين دول الفضاء الواحد ضرورياً في ظل عصر العولمة وعصر التبادل النفعي وعدم قدرة أي دولة منفردة، حتى وإن كانت ألمانيا أو الولايات المتحدة أو الصين، أن تنغلق على نفسها وتدير ظهرها لدول الجوار والعالم.