الحالة الطائفية، ومهما حاول البعض التقليل من شأنها، حالة حقيقية في الكويت، والخطير في مسألة التقليل من شأنها وعدم مواجهتها بشجاعة، أنها آخذة في الانتشار، مدفوعة بالمؤثرات الداخلية المتكررة، وكذلك، وهذا أخطر طبعا، بالمؤثرات والتفاعلات الخارجية.

Ad

واليوم، لا تكاد تجد موقفا أو تصريحا سياسيا لأي أحد، إلا فيه ملمح طائفي بشكل من الأشكال، وإن لم يكن فيه ذلك، فإن هناك من سيلوي عنقه ليوجده فيه، وليفسره بعدها بشكل سلبي.

ومصطلح الطائفية عندما نستخدمه، لا نعني به أن يكون الإنسان منتميا إلى طائفة أو مذهب معين ومؤمنا بصحة عقيدتها ومنهجها، فهذا طبيعي، بل لولاه لما كانت هناك طوائف ومذاهب، لكن المراد به هو أن يكون المرء متحزباً لمواقف أهل طائفته بلا تمييز، سواء أصابوا أو أخطؤوا، ومعادياً للآخر على طول الخط، بل أحيانا رافضا لحقه في الوجود والحياة، وهذه هي الكارثة.

إن قبول حق الآخر بالوجود والحياة وممارسة عقيدته، على مساحة الوطن المتاحة للجميع وفقا للحقوق المقرة دستوريا وقانونيا، ودون الإضرار بعقائد الآخرين، ولا تهديد للأمن والاستقرار المجتمعي، لا تعني أبدا إقراره بعقيدته، وهذا يجب أن يكون واضحا ومفهوما للجميع.

ومن أخطر ما صرنا نواجهه أخيرا، وأعني بذلك المنشغلين والناشطين في الأمور العامة، هو أننا وكلما تحدثنا عن أمر ما، ظهر لنا من لا يواجهنا إلا بكلمة "إش معنى"؟، أي لماذا تنتصرون لهذا الشخص بالذات، ولا تنتصرون لذاك؟ كمثل أن يقول لماذا تنددون بالتعسف الذي جرى في حق فلان "السني"، ولا تنددون بالتعسف حين جرى في حق فلان "الشيعي"؟ أو العكس؟! وهذا المنطق سيئ جدا، لأنه في حقيقته منطق طائفي بحت، بل يحمل في صميمه روحا تخوينية، وإن لم يصرح بذلك صاحبها، فعندما يقال لك "إش معنى" وقفت مع السني، ولم تقف مع الشيعي، فهذا اتهام مبطن لك بأنك لم تتحرك إلا انتصارا لابن طائفتك، وليس انتصارا للحق والعدل، وأنك لذلك طائفي وغير منصف!

والحقيقة، وأقولها بكل وضوح، فأنا لا أحتمل هذه الكلمة حين تأتيني من أي شخص، حيث لا أراها إلا اتهاما بالطائفية، ومن اتهمني بذلك شتمني، وأحرق كل جسور الحوار بيني وبينه.

يا سادتي، في أسوأ الحالات، وعلى فرض أن دفاعنا عن حق شخص ما بالحصول على إجراءات قانونية عادلة وصحيحة، لم ينبع إلا من وازع طائفي صرف، فإن هذا لا شأن له بحق هذا الشخص بالحصول على الإجراءات القانونية العادلة والصحيحة على كل حال، كائنا ما كانت جريمته وكائنا ما كان ذنبه. وكذلك فإن سكوتنا عن الحديث وعن الدفاع عن حق غيره، ممن لا يستهوينا، بذات الإجراءات، لن يمنع أي شخص آخر من المطالبة له بهذه الإجراءات القانونية العادلة والصحيحة، بل إن وجود مجموعات مختلفة تتحرك في كل حين ضد السلطة عندما تجد منها تعسفا أو ميلا وانحرافا في تطبيقها للإجراءات الأمنية والقانونية والعدلية على أي شخص مخالف، سيعضد بعضها بعضا، طالما أنها لم تقف في سبيل بعضها بعضا ولا تعترض مسيرتها. ومع هذا، ولست بحاجة للتدليل على ذلك، فمواقفي ومقالاتي وسيرتي تشهد، بأني أقف مع حق كل إنسان، سواء أكان على ملتي أو طائفتي أو ميولي السياسية، أو على غيرها، في الحصول على حقوقه الدستورية والقانونية، وأرفض كل تعسف يمارس عليه، مهما كانت مخالفته أو جريمته.

أتخذ هذا الموقف المبدئي وأحرص عليه، لأني أدرك أن الواقع السياسي ما هو إلا دورات متلاحقة متتالية، ولا يوجد صديق دائم ولا خصم دائم، فإن كان اليوم من تعرض للتعسف هو "فلان الشيعي" لسبب من الأسباب، وقبلنا السكوت عن ذلك، فإن الدائرة ستدور غدا وسيكون من يتعرض للتعسف هو "فلان السني"، وهكذا دواليك.

كان من المهم أن أوضح هذه النقاط اليوم، بعدما وجدت هجوما من البعض منذ مدة، بعدما أشدت في "تويتر" بمقال كتبه الخبير الدستوري الأستاذ د. محمد المقاطع، نشره في الزميلة "القبس" الأسبوع الماضي، مشيرا فيه إلى أن للزميل محمد المليفي، المحبوس حاليا على ذمة آراء وتعليقات اتهمت بأنها شتائم مسيئة للمذهب الشيعي، الحق كل الحق، بإجراءات قانونية وعدلية صحيحة وغير متعسفة. وهآنذا أعيد ذات الكلام وأكرره هنا، فعلى الرغم من اختلافي مع المليفي في ما كتبه، ورفضي القاطع لأسلوبه الذي اتبعه، الأمر الذي دفعه لمعاداتي وللأسف، فإن من حقه الحصول على المعاملة الأمنية الصحيحة غير المتعسفة والمحاكمة العادلة.

هذا الكلام أقوله عن المليفي اليوم وقلته عن غيره في السابق، وسأظل أقوله عن أي شخص آخر سيكون في موقعه في يوم من الأيام، سنيا كان أم شيعيا، وأسأل الله الثبات.