The skin I live in، «أي الجلد الذي أعيش فيه»، فيلم للمخرج المتميز بيدرو المودوفار الحائز على مجموعة من الجوائز العالمية، وفيلمه هذا تم ترشيحه للعديد منها.

Ad

الفيلم مختلف في طرحه عن أفلامه السابقة التي عالج فيها قضايا إنسانية ذات أحاسيس دافئة محملة برؤية تحليلية لأزمات إنسان هذا العصر، لكنه في هذا الفيلم نجده قد انقلب على نفسه، وقدم فيلما عقليا باردا بعيدا عن منطقة العواطف الجياشة، خاليا من الانفعالات العاطفية، جعل من الإنسان آلة بشرية لا تخضع لشروط القلب ولا العاطفة، مجرد آلة شرهة مهووسة بالجنس ومتع الحياة.

بطل الفيلم طبيب يعمل على تغيير الجنس البشري عن طريق تجارب يجريها في معمله البعيد عن المعمورة، ونراه يقوم بتجربة تغير جنس شاب قام باغتصاب ابنته المضطربة نفسيا بعد رؤيتها انتحار أمها محترقة، مما دفع بها هي أيضا إلى الانتحار.

الدكتور يجري عملية جراحية ترقيعية لتغيير جنس الشاب الذي اغتصب ابنته، وتحويله إلى أنثى، صنع لها جلدا ناعما من جلد الخنزير لا يتأثر بالعوامل الخارجية ولا بالملاريا ولا بلسع الحشرات، ثم يقع في حب مخلوقه.

ولا أريد أن أفسد على القارئ متعة مشاهدة الفيلم، لأنه يستحق المشاهدة، رغم أنه لم يترك لدي أي انطباع بالإبهار أو أي شعور بمتعة خارقة، فقد أشعرني بميكانيكية المشاعر للحظات غرائزية عابرة ذات تعامل بارد وغريب، فهو برود الآلي الذي يأكل ويقتل ويضاجع بتجريد محايد للمشاعر الإنسانية، يتساوى فيه قتل الإنسان مع قتل بعوضة مزعجة، قتل وموت لا يحرك شعرة في قلب الأم أو الابن أو الأخ.

هذا الفيلم حظي بإعجاب النقاد والمشاهدين، لكني لم أجده فيلما يدخل القلب ولا يمنح حتى الشعور بالمتعة، وربما هذا هو الشيء الذي أراده المخرج من تقديم فيلم في غاية البرودة حتى يقترب من إحساس الآلة التي هي ذات الإنسان الغربي المعاصر، الذي غادر منطقة الانفعالات العاطفية وتعالى عليها بإدراك عقله الجبار، لأنها ليست إلا مرحلة أدنى من الصعود على سلم التطور البشري، لذا يجب ردم بؤرة التخلف العاطفي اللاعقلاني وتجاوزها، فإنسان ما بعد الحداثة الغربية عقل يسعى فقط خلف مصالحه.

لكن يبقى الفيلم قطعة فنية صاغها فنان اكتملت أدواته الفنية، واعتاد الإخراج المتميز وشروط التميز حتى باتت كل أفلامه قطعا مكتملة فنيا ومتماثلة في حرفية الجودة، فهو لعب بالأزمنة والأحداث بالفلاش باك وبالتشابك والتداخل في الأحداث والشخصيات بتقنيات مبهرة وبموسيقى مناسبة للأحداث المشوقة للمشاهد، مع الأداء المتقن للممثل الإسباني القدير أنطونيو بانديراس ودقة تعامله مع أنابيب الاختبار والصفائح الدموية والجلدية التي كان لها دور في تصديق المشاهد لعمليات زرع الجلد التي يقوم بها، وكأننا نشاهد عملية ترقيعية حقيقية.

هذه العمليات باتت أمرا واقعا منذ زمن بعيد، وبتنا نشاهد عشرات المتحولين من الجنسين في عواصم المدن الكبيرة، مثل ميامي وريو دي جانيرو وغيرهما.

الفيلم بالرغم من جودته واكتماله الفني من إخراج وتمثيل وإنتاج وديكور وإضاءة وموسيقى وسيناريو محكم في انضباطه فإنه خال من دهشة وبساطة وشغف القلب، وهذا ما شعرت به خلال مشاهدتي للفيلم، الأمر الذي حرك مشاعر الخوف في قلبي، لأن الإبداع ربما يصل بالمبدع إلى تلك القمة الباردة التي تفقد بساطتها ودهشتها العفوية الناتجة من شغف الفنان غير المدرك بشكل كامل وواع بعملية الاكتمال الفني التي هي برأيي أمر خطير جدا وله تأثير سلبي على روح الإبداع الحر العفوي الجامح في براءة اللعب والاكتشاف، حينما يتحول الفنان إلى حرفي متفوق وقادر على إنتاج عشرات القطع الفنية ذات الامتياز والجودة المكتملة العالية، لكنها قد خلت وفضت من انبهار وشغف القلب المجنون باكتشافات تلك الألعاب الفنية المجهولة والغامضة التي لم تترسخ وتتجذر في إدراك مفاهيم جلية واضحة.

هذه النقطة اعتبرها هي الأغلى والأهم والأنفس في عملية الإبداع كلها، وحين يفقدها المبدع يتحول إلى حرفي بارع لن يتزحزح عن قمته، لكنه فقد روح وبراءة عنفوان الشغف البري الغاطس في جوهر براءته.