العلاج في الخارج وتعارض المصالح
إن موضوع العلاج في الخارج من المواضيع التي فشلت الحكومات المتعاقبة في وضع سياسة واضحة وعادلة لها تقصر ليل المرضى الطويل والقاسي وتقيهم مشقة استجداء النواب، إذ دائماً ما تثير تقارير ديوان المحاسبة الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام سواء من ناحية ضوابط الحالات المرضية أو عدالة عمل لجان العلاج في الخارج وشفافيتها، أو المبالغ المالية الضخمة التي صرفت حتى الآن.
عاد موضوع العلاج في الخارج ليفرض نفسه على الساحة السياسية بعدما فضح النائب شعيب المويزري "المشكلة" التي حدثت بينه وبين مكتب سمو رئيس مجلس الوزراء، والتي يدعي فيها النائب أن مكتب الرئيس قد وافق له على ابتعاث مجموعة من المرضى للعلاج في الخارج قبل جلسة الاستجواب الأخيرة، ثم عاد وألغى تلك الموافقة بعد أن وقع النائب على ورقة عدم إمكانية التعاون مع رئيس الحكومة. وهنا، فإن القضية التي تحدث عنها النائب المويزري واضحة وضوح الشمس، ولا تحتاج إلى مزيد من الشرح أو التبريرات الإنشائية لأنها تتعلق بموضوع غاية في الخطورة، وهو موضوع "تعارض المصالح" الذي من ضمن أشكاله أن يقدم الموظف العام (وزير، وكيل، وكيل مساعد، مدير، نائب... إلخ) خدمات شخصية لأي طرف كان من أجل أهداف سياسية، وهو ما تجرمه قوانين مكافحة الفساد، وتنهى عنه أخلاقيات الإدارة العامة حتى لو كانت هذه الخدمات الشخصية من المال الخاص للموظف العمومي.طبعاً هناك فرق بين الأعمال الخيرية والخدمات الشخصية، فالأولى لها طرقها وأساليبها ومن المعروف، على سبيل المثال، أن المنظمات الخيرية في العالم لا تقبل التبرعات أو المنح التي يُشتم من ورائها أهداف سياسية، ناهيكم عن أن المنظمات الخيرية تكون أعمالها شفافة وتخدم العامة من دون تمييز بينهم، أي أن الشخص لا يحتاج إلى واسطة عضو مجلس أمة حتى يحصل على الخدمات التي تقدمها المنظمة الخيرية.هذا من جهة... ومن الجهة الأخرى، فإن النائب المويزري أو غيره من الأعضاء يعتبرون شركاء في قضية تعارض المصالح، إذ إنهم قبلوا الحصول على منفعة خاصة لها أهداف سياسية، خصوصا أنهم كأعضاء لمجلس الأمة يعرفون قبل غيرهم أن حصولهم على هذه المنفعة الخاصة مرتبط مباشرة بكونهم أعضاء، لذا فقد كان من المفترض أن يرفض النائب المويزري من حيث المبدأ تقديم أوراق المرضى إلى مكتب الرئيس، لا سيما أن هذه القضية تشابه من حيث الهدف ما أثير قبل مدة حول "شيكات النواب" عند مناقشة الاستجواب الذي كان أحد محاوره مصروفات مكتب سمو رئيس مجلس الوزراء.علي أي حال، فإن موضوع العلاج بالخارج من المواضيع التي فشلت الحكومات المتعاقبة في وضع سياسة واضحة وعادلة لها تقصر ليل المرضى الطويل والقاسي وتقيهم مشقة استجداء النواب، إذ دائماً ما تثير تقارير ديوان المحاسبة الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام سواء من ناحية ضوابط الحالات المرضية التي تبعث للعلاج وآلياتها، أو عدالة عمل لجان العلاج في الخارج وشفافيتها، أو المبالغ المالية الضخمة التي صرفت حتى الآن، والتي يقال إنها كانت كافية وأكثر لإنشاء أرقى المستشفيات في الكويت، وإنشاء عيادات خاصة في كل قطعة سكنية، ناهيكم عن تعارض المصالح والأهداف السياسية الخاصة سواء للنواب أو لأعضاء الحكومة التي تتحقق من وراء هذا الموضوع الإنساني المتعلق بصحة البشر، لذا فلم يكن من المستغرب أن يكون موضوع العلاج في الخارج محور استجوابات عدة قدمت إلى وزراء صحة سابقين، ومن المرجح جداً تقديمها إلى وزير الصحة الحالي كما ذكر أكثر من نائب... كل هذا الجدل السياسي ولسان حال المرضى المحتاجين لعلاج سريع يردد "ياليل ما أطولك".