سيبقى تاريخ التعليم في الكويت محتفظاً للسيد ياسين الطبطبائي بتقديرٍ خاصٍ، لأنه صاحب الفكرة الثاقبة بإنشاء المدرسة «المباركية»، أول مدرسة نظامية في الكويت، التي افتتحت في شهر ديسمبر 1911، والتاريخ نفسه لن ينسى أن تلك الدعوة انطلقت من ديوانية الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وأنه كان أول المبادرين إلى التبرع لإنشاء تلك المدرسة. وتبدو الدلالة الاجتماعية واضحة، في اهتمام أهل الكويت بالعلم والتعلم، وذلك بإسراع كل من الشيخ قاسم الإبراهيم، وأخيه عبدالرحمن الإبراهيم، بالتبرع بما يعادل (70%) من إجمالي قيمة التبرعات. ولا شك في أن تحوّل التعليم في الكويت من «الكتاتيب» إلى التعليم المدرسي النظامي، يعني بين أمور أخرى، انطلاق الحركة الثقافية، فالعلم والتعلم هما العتبة الأولى لأي ثقافة ووعي وإبداع.
كتاب «مائة عام من تاريخ التعليم النظامي في دولة الكويت» للأديب عبدالله خلف، هو إضافة مهمة إلى المكتبة الكويتية والعربية، لأنه يؤرخ بالتفصيل مسيرة التعليم في الكويت، منذ عام 1911 حتى 2011، متوقفاً عند أهم محطاتها، ورجالاتها، مبحراً في عوالمها، ومسلطاً الضوء على المشاركة والدور العربيين الهامين في هذه المسيرة. وإذا كانت «المباركية» هي أول مدرسة نظامية للبنين في الكويت، فإن المدرسة «الوسطى»، التي افتتحت عام 1936، هي المدرسة النظامية الأولى للبنات، وقد نهضت على جهود الأختين الفلسطينيتين: صفية عودة، ورفقة عودة، اللتين جاءتا إلى الكويت بتكليف من «مجلس المعارف»، وكانت الأستاذة مريم عبدالملك الصالح أول مدرِّسة كويتية، انضمت إلى التدريس في المدرسة «الوسطى»، كما أن المدرسة «الوطنية الجعفرية» افتتحت عام 1939، لتكون أول مدرسة نظامية خاصة.إن اعتماد المجتمع الكويتي على البحر والغوص والسفر والتجارة، كمصدر أساسي للرزق والحياة، قبل اكتشاف وتصدير البترول، فرض على الكويتيين وصلا إنسانيا وثقافيا ومعرفيا مع الآخر، وهذا يفسر الصلة الوطيدة بين نشأة مدينة الكويت عام 1613 والمخطوطات التي نُسخت في الكويت عام 1682، وبما يدلل على تلازم مسار الحياة والعلم والتعلم. فلم يقف طموح الكويتيين في تحصيل العلم بإنشاء المدرسة النظامية، بل تجاوز ذلك إلى إرسال بعثات الطلاب إلى الخارج، «ففي بداية عام 1924، أوفدت إدارة المعارف في الكويت أول بعثة طلابية للالتحاق بمدارس عراقية، بتشجيع من سمو حاكم البلاد المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح، وتألفت المجموعة الأولى من سبعة طلاب هم خريجو المدرستين المباركية والاحمدية... فانتسبوا إلى الكلية الأعظمية ببغداد» ص38ويتتبع كتاب «مائة عام من تاريخ التعليم النظامي في دولة الكويت» مسيرة التعليم، مسلطاً الضوء على أهم الأسماء، الكويتية والعربية، التي شاركت في وضع لبناتها، وبما يظهر الدور الشعبي الأساسي الداعم لمسيرة التعليم في الكويت. كما يقدم الكتاب، تعريفاً برواد التعليم النظامي في الكويت، إلى جانب ذكر أسماء المحسنين الذين كان لتبرعاتهم الأثر الكبير في دفع عملية التعليم، إضافة إلى أكثر من كشف للطلاب والطالبات المنتسبين إلى مختلف المدارس، وكذلك أسماء الطلبة المبعوثين في بعثات تعليمية خارجية.الحديث عن التعليم يقودنا بالضرورة إلى حالة العزوف الشبابية عن القراءة، وأهم الخطوات الواجب اتخاذها لإعادة شيء من البريق للقراءة والكتاب. ولا أظن أن دوراً أساسياً يعادل الدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسة الأسرية والمؤسسة التربوية. فما بين بيت الأسرة وبيت المدرسة تتشكل شخصية الأبناء، وكلما كان حضور وتقدير العلم والمعلم ماثلاً في البيت والمدرسة جاء الغرس مثمراً، يتناسب وعصر ثورة المعلومات والاتصال. فلا يمكن لنا أن نعيش ونتعايش مع عصرنا دون التسلح بالعلم، ولن يتسنى لنا التواصل والتعاون مع الآخر، دون معرفة علمية وفكرية وثقافية وفنية.
توابل
التعليم طريق الحياة
09-08-2011