لكل لعبة إنسانية أصولها وقواعدها يتفق عليها اللاعبون، متضمنة قواعد للممارسة الإنسانية، وكذلك منظومة من النواهي والعقوبات حتى لا يتجاوز اللاعبون حدود أدوارهم ووظائفهم المنوطة بهم، ولتكفل استمرارية اللعبة بأشكالها الصحيحة، وكثيراً ما تحتوي اللعبة الإنسانية اتفاق شرف والتزاما أخلاقياً على احترام أصولها.

Ad

وبالنظر إلى الساحة السياسية البرلمانية في الكويت، فإننا شاهدنا ومازلنا نشاهد اعوجاجاً وانحرافاً مستمرين في هذه اللعبة البرلمانية من طرف على حساب طرف آخر، غير عابئين بتبعات هذه الأفعال وتلك الممارسات.

اتفق الطرفان، السلطة الحاكمة وأهل الكويت بطوائفهم الموجودة آنذاك، على احترام أصول اللعبة وقواعدها من خلال دستور مكتوب ووثيقة تاريخية، ومنذ انطلاقة العمل البرلماني، بدأت الممارسات الخاطئة والتجاوزات المتبادلة بخرق كل المبادئ والأسس والقواعد السياسية المتفق عليها.

فهم من اتهم في تزوير انتخابات مجلس الأمة لعام 1967، وهم من حلّ البرلمان حلاً غير دستوري لعامي 1976 و1986، وهم من أراد تعديل الدستور وإفراغه من محتواه دون اتفاق مع شريكهم الرئيسي (أهل الكويت)، وهم من حاول طمس وجود مجلس الأمة وقبره إلى الأبد بمجلس هزيل لا يمثل أهل الكويت ولا طموحاته في بناء هذا الوطن، وهم من خلقوا نائب الخدمات مبتعدين به عن دوره الرئيس المتعارف عليه كنائب مشرِّع ومراقب لأداء السلطة التنفيذية، وهم من عزّز المال السياسي واستغله لشراء الذمم والمواقف النيابية، وهم من تقاعس في محاربة الفرعيات وانتشار الطائفية وظاهرة النواب "الأراجوزات" في الحملات الانتخابية، وهم... وهم... وهم... وهم.

اعوجاجات مستمرة وانحرافات مقصودة عن أصول اللعبة السياسية البرلمانية، وابتعاد متكامل عن ذلك الالتزام الأخلاقي والقيمي لاحترام ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين، وعندما يتمادى طرف في تجاوز قواعد اللعبة ويلغي من حساباته أي التزام أخلاقي لأصولها فكأنه يُشهد الطرف الآخر من خلال أفعاله المتكررة على عدم احترامه وتقديره للاتفاق السابق، وهنا تصبح اللعبة البرلمانية بدون قواعد وأصول، وبالتالي تصبح نهباً للتأويلات الشخصية ومسرحاً للاعوجاجات السلوكية الخاصة، لعبة بدون قواعد أو أي التزامات أخلاقية، لعبة محفوفة بالمخاطر والويلات ووضعاً لا يحمد عقباه. في الوقت الحالي أصبح أهل الكويت في حلّ من احترام قواعد اللعبة وأصولها بعد أن طفح بهم الكيل من هذه التجاوزات المتكررة والتعديات المقصودة. من يعتقد أن الربيع العربي بعيد عن الكويت فهو واهم متمحور حول حبه لذاته، ولا يفقه في مسار المجتمعات الإنسانية وحركتها، ولا أقول إلا أن يحفظ الله الكويت مما هو قادم.