في أغلب الدول الغربية تعتبر وظيفة الشرطي الافتراضية هي الحفاظ على القانون، وفرض هيبته دون تدخل من ذوي النفوذ، ولكنها في الدول العربية وظيفة تحمل إضافات كارثية، منها إثارة الرعب في نفوس الناس واستغلال الوظيفة للتمادي على القانون. ومتى ما أحس النظام العربي بالخطر وعجز حتى الشرطي عن قمع الناس لافتقاره إلى أدوات القمع الكافية أوكل المهمة للجيش، فتتحول وظيفته من الدفاع عن الناس إلى البطش بهم، وما يحدث في سورية مثال صارخ لهذه الوظيفة. وما يهمنا في هذه الحادثة النادرة للعلاقة بين الشرطي العربي هو الأثر المرعب الذي يدركه الشرطي على مواطنه العربي. الوظيفة الرئيسية للشرطي العربي لا يستطيع اتقانها غير الشرطي العربي. وهي وظيفة قديمة بدأت بحكاية الخليفة الأموي الأول معاوية بن سفيان، الذي كان يتجول في السوق مع حاشيته فمروا بشرطي نائم عن واجبه، فهبّ بعضهم لإيقاظ الشرطي النائم لكن الخليفة استوقفهم قائلا: لا توقظوه فإنه يزعج الناس. ومنذ ذلك التاريخ وللشرطي العربي دور يتجاوز الإزعاج ليصل إلى الرعب. الشاب بطل هذه الحكاية هو مهاجر عربي مر بسجون عديدة، وتعرض للكثير من الممارسات الشرسة وغير الإنسانية، وربما غير الأخلاقية، وهو شاب مثقف وكاتب صحافي مر بتجربة ما يسمى "الدولاب" والفلقة والتعرض له بالسباب والشتائم، وأفرج عنه حين تأكدت الشرطة من القضاء على إنسانيته. استطاع الهرب بحراً حتى وصل به الأمر إلى شتاء كندا الأبيض ليتنفس أول هواء بارد بحرية. رتب الشاب أموره واستخرج رخصة قيادة واستوقفته الشرطة لأول مرة في تفتيش عشوائي ضمن برنامج معروف في كندا تحت عنوان "لا تشرب وأنت تقود سيارتك". لم يكن صاحبنا يشرب، ولكن منظر الشرطي الضخم الذي وجه نور المصباح في وجهه أرعبه جدا. سأله الشرطي إن كان شرب شيئا، ولم يعرف ماذا يقصد الشرطي بشرب شيء، فقال: نعم، ثم استدرك بلا، ثم تلعثم. طلب منه الشرطي أن يترجل من السيارة، وأن يسير في خط مستقيم. كان الشرطي خلفه، وما في ذهن صاحبنا هو أن كفاً ستهوي عليه من الخلف، أراد أن يلتفت الى الخلف وأن ينظر أمامه فارتبك وسقط. أنهضه الشرطي وطلب منه أن ينفخ في جهاز فحص نسبة الكحول، وكانت النتيجة لا شيء. فطلب منه ثانية أن يسير مرة أخرى وحدث ما حدث في المرة الأولى. اقتربت شرطية برتبة ضابط وقالت للشرطي لا تقف خلفه، اذهب وقف أمامه. وابتعدت هي أيضا عن المكان. وسار الشاب بثبات نحو الشرطي. قبل أن يتركوه سألته الشرطية: من أي بلد أنت؟ لكنه اختار بلداً لا يمت لبلده الأصلي بصلة. تذكرت حكاية صاحبي الصحافي العربي وأنا أنظر لهذا الكم من الرعب الذي تتركه الشرطة العربية، ويشاركها الآن الجيش في ذلك، على نفسية البسطاء من الناس والأطفال والنساء، هم يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والامتهان في بلادهم من أبناء جلدتهم وشركائهم في الوطن. لم يعد الوضع يتعلق بقلة تتعرض لأخطاء فردية من شرطي غير مثقف، بل مجاميع كبيرة تصل إلى أهالي مدن وبلدات يتعرضون لاضطهاد منظم وامتهان مبرمج سيفقدهم بالتأكيد حسهم الإنساني أو ما تبقى لديهم من حس إنساني.
Ad