هل سقطنا في فخ الموازنات المريضة؟
إن صار التصويت للسيئين نكاية بالآخر جزءا معتادا من الممارسة الانتخابية، كما صار خلال السنوات الماضية شراء الأصوات بالمال والخدمات، والكثير من الممارسات الانتخابية الرديئة الأخرى، أمورا مألوفة وللأسف، فلن يكون هناك من داع إذن للتواصي على دعم الأكفاء الخيرين الصالحين. من أكثر ما أزعجني في الانتخابات الحالية ما يتردد وبقوة عن توجه طائفة كبيرة من الناس للتصويت لمرشحين عرف عنهم السوء الأخلاقي والتردي وممن يجاهرون بذلك، وذلك بدعوى أن هذه الفئة من المرشحين على انحطاطها، هي الفئة الأقدر على التصدي لمن يسمونهم بالغوغائيين أصحاب الصوت العالي!
لن أحاول هنا تفنيد فكرة غوغائية وعلو صوت تلك المجموعة من النواب، والتي يتهمونها بدفع البلد نحو حالة التأزيم والاحتقان، فهذا موضوع آخر، لكنني سأتوقف عند فكرة بأن السيئ لا يواجهه إلا السيئ، بل الأشد منه سوءا. هذه الفكرة الخطيرة، والتي للأسف وجدت بعض من كنت أتوسم فيهم العقلانية والموضوعية يتبنونها، بل يروجون لها، هي فكرة تدميرية كبرى، ليس فقط لأساس الفكرة الديمقراطية التي تقوم على اختيار العقلاء الراشدين الصالحين لتمثيل الأمة، بل أيضا لكل الأسس الأخلاقية والشرعية، خصوصا عندما تصدر ممن يحسبون على العقلانية والموضوعية، وقد قال النبي الكريم- عليه وعلى آله وأصحابه أتم الصلاة والتسليم-: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قيل: فكيف إضاعتها يا رسول الله، قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". وقال الشارحون: والأمانة والعهد يجمعان كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلاً، وإعطاء الصوت لمرشح لتزكيته لمنصب تمثيل الأمة في البرلمان من أعظم الأمانات، فكيف يمكن أن يدعو عاقل في قلبه مخافة الله ويمتلك عقلا سليما إلى توجيه الأصوات الانتخابية للسافلين والساقطين بل المجاهرين بذلك؟! نحن اليوم أمام تغير سقيم ومرعب في العقلية الانتخابية الكويتية، ففي حين كنا في السابق نرى قطاعا كبيرا من الناخبين لا يوجهون أصواتهم إلا لأبناء فئاتهم، قبليا أو طائفيا، بحجة أن الكفاءة الانتخابية لابد أن تكون من القريبين عرقيا ومذهبيا، ونتضايق لما في هذه الفكرة من اعتلال أساسي، فها نحن نصل اليوم إلى أن توجه قطاع من الناخبين، مع سبق الإصرار والترصد، للتصويت للسيئين نكاية بالآخر. ما يحصل يا سادتي، وبكل بساطة، هو تدمير للعملية الديمقراطية برمتها على يد الناس أنفسهم، وحين تنهار العملية الديمقراطية فلن يربح أحد، وسنتجرع المرارة جميعا. إن صارت هذه الفكرة هي لسان الحال، وصار التصويت للسيئين نكاية بالآخر جزءا معتادا من الممارسة الانتخابية، كما صار خلال السنوات الماضية شراء الأصوات بالمال والخدمات، والكثير من الممارسات الانتخابية الرديئة الأخرى، أمورا مألوفة وللأسف، فلن يكون هناك من داع إذن للتواصي على دعم الأكفاء الخيرين الصالحين، بل سيصح أن تترك المسألة لتصبح بأسرها لعبة حيوانية بلا قيم ولا أخلاق ولا ضوابط، ولا مشكلة في أن يصل إلى البرلمان كائنا من كان من الشتامين وأهل السباب والساقطين، ومن يكفِّر ويلغي بعضهم بعضا، بل من هم أسوأ من ذلك!