نكبّل الكفّ التي تغتال!

نشر في 24-11-2011
آخر تحديث 24-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 مسفر الدوسري «الشخص الذي يحبك يحن عليك رغم قسوتك عليه»!

هذه أبشع عبارة قرأتها في الحب على الإطلاق، عبارةٌ فوق غرابتها تتضمن ابتزازاً عاطفياً شائناً، واستنزافاً لمشاعر بيضاء.

الغريب في هذه العبارة أنها تطلب من الوردة أن تقف عارية الصدر في الجحيم لتكون جديرة بالشذا، ومن الغيمة أن تعفّر جسدها بالوحل لإثبات أحقيتها في حضانة المطر، ومن الصباح أن يُجلد بسياط الظلام حتى يتشقق جلده ليستحق ظهور الشمس، ومن النسمة العذبة أن تُحرَق بألسنة اللهب القاتل حتى تنال تأشيرة المرور بالفضاء، ومن الحمام أن يصبح طبقاً شهيّاً يقدم في أحد المطاعم مع المشروب الغازي ليُمنح بعد ذلك تصريحاً بالهديل!

هذه العبارة فيها الكثير من الساديّة البغيضة، التي لا تتوانى أن تطلب بكل بجاحة وفجاجة من الآخر أن يكون «مازوشيا» وديعاً، يتلذذ بالعذاب بل ويمتَنّ لمعذبه و»يقبّلُ الكفَّ التي تغتالُ»!

عبارة مريضة لشخص مريض نفسياً تحرّض آخر على أن يصبح مريضاً نفسياً بدوره، هل هناك ما هو أبشع؟!

«لو كنت تُحبني لرضيت بعذابي»

«إن كنت تحبّني فاصبر على ناري»

«من يحب شخصاً لا بد أن يقبل ذُلَّه»

كل تلك العبارات وعبارات أخرى كثيرة مشابهة ليست سوى ابتزاز ظالم لقلب ذنبه الوحيد أنه أحب.

البعض يقول إن هذا اختبار لمدى حب الآخر لنا، وأقول إن هذا دليلٌ سافر على بشاعة من يفعل ذلك، إنّ مَن يؤمن بذلك لا يستحقّ الحب أصلاً، إذ كيف يرضى قلب سليم أن يرى قلباً يحبه محطماً؟!

وكيف تنعم روح تدّعي الصفاء وهي تسمع أنين روح أخرى لا تضمر سوى الحب لها؟!

هذه الحجة مجرد حيلة لإشباع النزوات غير السوية، مجرد مشجب يعلّق عليه انحرافٌ خطيرٌ في ذواتنا.

من الغرور أن نعتقد أن محبّتنا لشخص آخر هي مكافأة لحسن سيره وسلوكه معنا، وتحمّله لممارستنا الشاذة معه، عندما نجد من يحبّنا فالأولى أن نثبت أننا جديرون بالحب لا أن نختبر جدارة الآخرين بنا.

اختبار مشاعر الآخر الإيجابية تجاهنا هي، وبمعنى غير مباشر، دليلٌ على عدم ثقتنا بأنفسنا أولاً قبل أن تكون عدم ثقة بمشاعر من أحبّنا.

البعض منا يعتقد أنه من المستحيل أن يكون محبوباً، وأن ليس فيه ما يدعو الآخرين إلى محبته. يبدو غير مصدق، لأن به من البشاعة ما لا يعقل معها أن يجد من يحبّه، فيختبر محبة الآخرين له بأقسى الطرق، ويُظهر بشاعته فعلاً حتى يتأكد أنه مقبول برغم ما هو عليه، متناسيا أننا جميعا وإن كان فينا الكثير من السيئات فربما رأى شخص فينا من الجمال ما لم نره فينا، فلِمَ لا نمنحه الفرصة ليُرينا أجمل ما بداخلنا، بدلاً من أن نسبقه لنصفعه بأبشع ما فينا؟!

لِمَ لا نمنح من أحبّنا فرصة ليصالحنا مع أنفسنا؟!

لا تقسوا على من أحبكم ولا على أنفسكم...

وتذكّروا: الحب لا يُختبر إلاّ بالحب ولا شيء سواه!

back to top