منذ صدور الأمر الأميري بتكليف الشيخ جابر المبارك برئاسة الحكومة نكون قد طوينا صفحة، وفتحنا صفحة بيضاء جديدة عنوانها حكومات المبارك التي لا نعرف ما سيكتب فيها من إيجابيات وسلبيات، بلاشك ان قبول المبارك لهذا التكليف يمثل شجاعةً في ظل الظروف الحالية، ولكن الكثرة السائدة على الساحة ورغباتها المشوشة، وممارسة اللعبة السياسية دون مرجعية قانونية وأخلاقية، قد تهزم الشجاعة غالباً، ولذلك فإن رئيس الحكومة الجديد بحاجة إلى نهج "سوبر" ومستشارين خارقين حتى يمكن أن يتعامل مع واقعنا.

Ad

اللعبة السياسية في الكويت أصبحت تدار من الساحات وفي الشوارع، وهو أسلوب لا تصلح معه التحالفات والائتلافات السياسية، ولا توزير وزير محسوب على قبيلة أو طائفة فلا الوزراء العفاسي والنومس والأذينة استطاعوا أن يغطوا الحكومة، ولا الساير والهارون والبصيري وموضي الحمود من قبلهم أيضاً، إنها فوضى عارمة في الساحة السياسية الكويتية  التي أضحت بلا معايير ولا مرجعيات، ويمكن لأي مجموعة من "نفرين" أن تصدر بياناً فيلتف حولها المتضررون من الصيغة القائمة وأصحاب المصالح في السلطة والمخلصون الذين يستخدمون من كل الأطراف ليبدأ ما يسمى بـ"الحراك الشعبي الاحتجاجي" في تقليد غير منضبط وممجوج لأحداث دول عربية لها ظروف وسياق تاريخي مختلف عنا.

وبما أن اللعبة أصبحت خارج نطاق المؤسسات وقاعات السلطات سواء كانت في قصر العدل أو قاعة عبدالله السالم، فإن المبارك سيشكل حكومته وعينه على الشارع وكيفية تحصينه من الاستخدام ضده، وهي بلاشك مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، فكثير ممن يُجلَبون إلى الساحات هم من الغاضبين من تردي الأوضاع العامة ومحدودية الإنجاز، وبعضهم من أصحاب المظالم، وفئة صغيرة من الغوغائيين والمتعصبين الطائفيين والقبليين التي تقوم بالتهييج والتصعيد، وإذا تم تحييد الأغلبية الناقمة من تردي الأوضاع العامة، فإن الأقلية المتعصبة ومَن يحرضها من تنظيمات سياسية بين فينة وأخرى لتكتيكات مصلحية مؤقتة ستصبح معزولة ومكشوفة.

لقد لاحت لسلف المبارك الشيخ ناصر المحمد فرصة ذهبية لأن يشكل بصمة فارقة في تاريخ البلاد عند توليه السلطة 2006، إذ كانت فوائض الدولة المالية متراكمة منذ 1999، وكان يمكنه أن يحول الدولة إلى ورشة عمل كبيرة مع بداية عهد سمو الأمير، ولكنه اختار أن يحيط نفسه بمجموعة من المستشارين والوزراء المتفرغين للتكتيكات والمناورات السياسية واستنزفوا جهوده وجهود مجلس الوزراء في هذه التكتيكات بدلاً من أن يحيط نفسه بالتكنوقراط القادرين على تهيئة البلاد قانونياً وفنياً للتحول إلى ورشة عمل كبيرة، وبدلاً من أن تسطر بيانات مجلس الوزراء قرارات تنفيذية بإنجاز المستشفيات والمدن الجامعية والقطارات كانت تعكس مواقف سياسية غير ذات جدوى، فجاءت انتخابات 2008 وسط انقطاع للتيار الكهربائي وبحث الأهالي عن "تناكر" لإمدادهم بالمياه!. وهي المرحلة التي أسست للاستياء الشعبي ضد حكومات المحمد قبل أن تضاف إليها البهارات الطائفية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مختلفة من أهمها اعتقاد المحمد بأنه قادر على أن يكسب رضا الجميع بالمناورات السياسية والترضيات بكل أشكالها في الواقع السياسي الكويتي العبثي.

وعليه فإن تشكيل حكومة قادرة على البقاء والعمل في الواقع الكويتي ومتناقضاته قد تكون مهمة خرافية، ولكن مادام هناك عزم من المبارك على تولي مسؤوليتها فإنه سيجتهد لإنجاز تلك المهمة، فهل يستطيع الشيخ جابر المبارك أن يشكل حكومةً تخفف من غضب الشارع لتسحب الأغلبية منه، لأنها هي الأهم بعد أن أصبحت أغلبية البرلمان لا تستحق العناء من أجلها، ويمكن استبدالها بهتافات جماهير الشارع؟ وهل يمكن للمبارك أن يشغل الأغلبية بإنجازات سريعة تشغلها وتبهرها بصخب ورشة عمل تنموية وإصلاح للفساد المستشري وحالة الاصطفافات الطائفية والمناطقية الخطيرة في البلد... ينتج عنها تحييد لمفاعيل الشارع السلبية على الحكومة الجديدة؟.