أرسلت الهجمات الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001 موجات صدمة إلى مختلف أنحاء العالم، ويبدو أن باكستان لم تتعاف من هذه الموجات حتى الآن، والواقع أن مشاركة باكستان فيما أطلق عليه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش "الحرب العالمية ضد الإرهاب" أسفرت عن عواقب سلبية ساحقة، حيث دفعت البلاد إلى صدارة اهتمام المجتمع الدولي في وقت لم تكن مستعدة على الإطلاق للتوفيق بين مخاوف العالم ومخاوفها الخاصة.

Ad

لقد تبين أن تورط باكستان في الحرب ضد الإرهاب كان أعظم تكلفة من كل التوقعات على الصعيد الاقتصادي، وفضلاً عن ذلك فقد أدت هذه الحرب إلى تفاقم التوترات داخل المجتمع الباكستاني، وزعزعة استقرار العاصمة التجارية للبلاد كراتشي، بسبب جلبها لأعداد كبيرة من اللاجئين البشتون، الذين تسببوا باستقرارهم في المدينة في اختلال التوازن العرقي الدقيق هناك.

على حد تعبير الرئيس الباكستاني آنذاك برويز مشرف في مذكراته التي نشرها في عام 2006، وفي العديد من الخطابات التي ألقاها منذ ترك منصبه، فإنه لم يتمكن من رفض طلب أميركا بتحالف باكستان معها في الكفاح ضد تهديد الإرهاب الناشئ من أفغانستان. فقد سمح مشرف باستخدام المجال الجوي لبلاده لشن الهجمات على أفغانستان، كما سمحت باكستان لقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي باستخدام شبكات الطريق على أراضيها لنقل الإمدادات إلى جارتها غير الساحلية.

وما لم يتوقعه مشرف وأعوانه هو أن أعداداً كبيرة من طالبان المهزومة وأنصارها من تنظيم القاعدة سوف تتسرب إلى داخل باكستان، ومن بين المتسربين كان أسامة بن لادن.

وبينما أنشأ الهاربون ملاذاً لأنفسهم في الحزام القبلي في باكستان، حيث شرعوا من هناك في شن هجماتهم على قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان، تنامت الضغوط التي مورست على باكستان لحملها على استخدام القوة للقضاء على بقايا المعركة هناك، ولقد زعمت باكستان أنها لا تمتلك القدرة اللازمة للقيام بهذه المهمة، كما أشارت ضمناً إلى أنها ليس من مصلحتها أن تحول كل هذه الجماعات إلى أعداء لها؛ فهي قد تحتاج إلى بعض هذه الجماعات لحماية مصالحها في أفغانستان بمجرد رحيل القوات الأجنبية عن البلاد.

ومن غير المستغرب أن تؤدي هذه المطالب والمواقف المتضاربة إلى خلق العديد من الخلافات بين باكستان والغرب، فأميركا كانت راغبة بشكل خاص في استجابة أكثر نشاطاً من جانب باكستان. وكان توتر العلاقات مع الولايات المتحدة عندما توغلت قوات أميركية خاصة على أعماق باكستان لقتل بن لادن بمنزلة ذروة الإحباط المتبادل بين البلدين.

لا شك أن الولايات المتحدة أرسلت المساعدات إلى باكستان؛ ما يقرب من 15 مليار دولار على مدى العقد الماضي، ولكن القسم الأعظم من هذه الموارد ذهب إلى المؤسسة العسكرية الباكستانية. وفي حين يرى صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة أن هذا المبلغ من المساعدات يشكل تعويضاً سخياً لتعاون باكستان، فإن المسؤولين الباكستانيين يرون أن الخسائر الاقتصادية التي ترتبت على انتشار الإرهاب إلى داخل البلاد كانت أعظم كثيرا.

وطبقاً لحسابات الحكومة الباكستانية فإن الخسائر بلغت 5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، أو 9 مليارات دولار سنويا، أي ستة أضعاف ما يتدفق عليها سنوياً من المساعدات الأميركية.

والأسوأ من ذلك كان التأثير في التركيبة العرقية في باكستان، فقد نظمت مجموعات من السكان البشتون في البلاد نفسها لتنفيذ عمليات ضد المؤسسة العسكرية الباكستانية وأهداف مدنية، ولقد نجحت إحدى المجموعات التي تطلق على نفسها "تحريك وطالبان باكستان" في شن هجوم على عدد من المنشآت العسكرية، بما في ذلك مقر قيادة الجيش في روالبندي، واحتلت لفترة وجيزة منطقة وادي سوات، التي تبعد ستين ميلاً فقط عن العاصمة إسلام أباد.

كما أنشأت نفس المجموعة حكومة إسلامية في جنوب وزيرستان، وهي واحدة من المناطق القَبَلية الواقعة على الحدود الباكستانية مع أفغانستان، ثم تمكنت المؤسسة العسكرية الباكستانية في وقت لاحق من طرد هذا الجماعة من المنطقتين، ولكن كان الثمن وقوع خسائر عديدة بين صفوفها.

ثم كان رد طالبان على هذه الهزائم بشن هجمات إرهابية في العديد من المراكز الحضرية، وخاصة في إقليم البنجاب، فقتلت أكثر من 15 ألف شخص على مدى الأعوام الستة الماضية، وينظر أهل البنجاب، وهو الإقليم الأكبر على مستوى البلاد- والذي يمثل 56% من سكان باكستان، وحوالي 60% من ناتجها  المحلي الإجمالي- إلى هجمات البشتون باعتبارها شكلاً من أشكال العنف العرقي.

ويتجلى هذا العنف بشكل أعظم في كراتشي، حيث نزح عشرات الآلاف من الأشخاص بسبب الحرب الدائرة في المناطق القَبَلية من باكستان، وأثناء القسم الأعظم من هذا الصيف، قامت عصابات مدججة بالسلاح تمثل جماعة "مهاجر" (التي تتألف من أفراد متحدرين من لاجئين من الهند وصولوا إلى البلاد حوالي عام 1947، العام الذي ولدت فيه باكستان) والبشتون، بشن المعارك في مختلف أنحاء المدينة، وقدرت الخسائر في الأرواح نتيجة لذلك القتال بنحو 400 قتيل.

هل كان من الواجب على باكستان أن ترفض المشاركة في الحرب ضد الإرهاب إذن؟ بصرف النظر عن الكيفية التي كانت باكستان ستستجيب بها لطلب الولايات المتحدة لها بمساعدتها في القضاء على التهديد المفروض على أمنها من قِبَل تنظيم القاعدة وحركة طالبان، فإن القتال كان سيصل إلى باكستان لا محالة.

ولكن كان في الإمكان أن تدار الحرب على نحو يعمل على تقليص التكاليف بالنسبة إلى باكستان، إذ لم يكن من المستحيل التأكيد بقدر أعظم على التفاوض من أجل التوصل إلى تسوية مع زعماء طالبان الذين كانوا على استعداد للعمل مع حكومتي أفغانستان وباكستان. والواقع أن مقياس الفشل الذي أسفرت عنه الاستراتيجية المختارة يتلخص في بقاء الكيفية التي قد يتم بها التوصل إلى التسوية من خلال التفاوض بمنزلة مسألة عويصة حتى يومنا هذا.

* شاهد جاويد بركي | Shahid Javed Burki ، وزير مالية باكستان السابق، ونائب رئيس البنك الدولي سابقا، ويشغل حالياً منصب رئيس معهد السياسات العامة في لاهور.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»