"أغرار" هي الرواية الأولى أو بالأحرى أول نص كتابي اقرأه لناصر الظفيري، الزميل والجار على موقع الصفحة الثقافية في جريدتنا "الجريدة"، وكالعادة بحثت عن تفاصيل شخصية ناصر المختبئة في مشاهد الرواية، واصطدت بعضا من ملامح روحه وشخصيته التي تعرفت على بعضها من خلال لقائنا الأخير الذي سلمني فيه روايته "أغرار"، واكتشفت أنها روايته الثالثة، كما جاء في سجل الفهرس مع مجموعتين قصصيتين، واعتذر لتأخري في قراءتها، بسبب تراكم الكتب التي ترسل إلي.
تأسفت انني لم اقرأ له من قبل حتى اكتشف الاختلافات والفروقات في تطور العملية الإبداعية من نص إلى آخر. رواية "أغرار" مكتوبة بحرفية كاتب روائي يعرف تماما مهنية المهنة، ويعرف كيف يتعامل مع النص، وكيف يرسم شخصياته ويوزع أدوارها على المسرح المتخيل بتقنية مفصلة على المقاس بالضبط، حتى جاءت مناسبة تماما لروح العمل، مشدودة في نسيج متجانس ومحاك بأصابع نساج يعرف كيف يقدم في النهاية نسيجه الجميل الخالي من قباحة العقد. تبدأ الرواية بمشهد طفولي وتنتهي بذات المشهد، وكأن الحياة تعيد ذات اللعبة مع تغيير اللاعبين، ففي المشهد الأول، حيث ينصب يحيى فخا للطيور مع أخيه الأصغر إسماعيل، ويتبدل الوضع في المشهد الأخير ليصير يحيى ينصب الفخ مع ابنه إسماعيل. هذه هي أعماق لعبة الرواية، فالحياة ليست إلا هذا التكرار أو التناسخ أو التماثل في لعبة مزدوجة. ففي المشهد الأول يحيى هو الأخ الأكبر لإسماعيل وهو الذي يقتله أخو سلوى لأنه أحب أخته، لذا يحقد أبويحيى عليه لاستدراجه لابنه إسماعيل إلى منزلهم وذبحه بغدر وبنذالة ولم يمنحه موتا يليق بالفرسان، وزاد حزنه أن عقاب القاتل لم يشف غليله، فقرر أن يقتص لابنه بنفسه، وهنا تأتي اللعبة الثانية حين يقوم الأب بعزل ابنه إسماعيل عن العالم وإعادة خلقه من جديد عن طريق تدريب جسده وحشو عقله بما يفيد مهمة القتل وتقنيات الموت التي أوكلها إليه حتى يصبح في النهاية آلة للقتل والموت، وهو الأمر الذي يحصل مع كل عقول هؤلاء الشبان اليافعين الذين تتولى الجماعات الإرهابية تعبئة عقولهم بما يتناسب مع أغراض وأهداف القتل والتدمير، مثل الكمبيوتر الفارغ الذي يعبئه المرء بما يريده من مواد معلوماتية حتى يصبح فيها عقله صورة مماثلة لعقل ممتلكه. حين يصبح آلة قتل جاهزة يذهب إلى المدينة حيث يسكن هدفه فيها، لكنه يتعرض لحادث تصادم، ويُحمل إلى المستشفى وهناك يلتقي الدكتورة ضحى التي تقع في حبه وتقوم بتغيير مسار حياته وأهدافه. عندما تنجب منه ابنه يحيى تنبذه وتنتهي منه فهو لم يكن بالنسبة لها إلا آلة جنس جاءتها بطفل منتصف العمر، وفي غفلة منه يقتلها لظنه أن النائم معها في السرير رجلا وليس أنثى، فضحى كانت مثلية الجنس. تنتهي الرواية في المشهد الأخير بيحيى الطفل الذي أصبح رجلا يقوم بنصب الفخ مع ابنه إسماعيل، وتبقى الجدة العجوز كأنها رحم الحياة الذي تناسل منه هذا التكرار الأبدي. رواية أغرار ذات روح سينمائية تُشعر القارئ بإحساس البداوة من أول حرف فيها بالرغم من عدم تحديد المكان التائه في اغتراب غير معروف، لكن وجود أشجار الأثل ومزرعة البرسيم والدجاج والفخاخ ومعارك السكاكين الصغيرة وروح القسوة وأخذ الثأر لغسل العار، وغيرها من إيحاءات كلها لا تحدد المكان بشكل واضح، مما يشعر القارئ بتيهه في أماكن غير معروفة، فمثلا بيت ضحى في العاصمة توجد في حديقته الأشجار الاستوائية إلى جانب زهور الجوري والماجنوليا وثمار النارنج، ولو أغفلنا الجوري والنارنج باعتبار انه من الممكن أن يُزرع في الكويت مع بعض من العناية بهما، لكن ماذا عن الأشجار الاستوائية التي تنمو فقط في المدارات وكذلك شجرة الماجنوليا التي تنمو في الدول الباردة الأوروبية، فهل يمكن أن يكون المكان في شمال إيران مثلا باعتبار انه أيضا توجد لديهم مزارع برسيم وديوك ودجاج؟ وبالرغم من ضياع هوية المكان تبقى رواية أغرار متقنة في حرفية أصول كتابة الرواية، وتأتي لغة ناصر الظفيري جميلة واصلة وموصلة لروائي متميز.
توابل
أغرار
13-06-2011