عندما تصبح مشكلة بَشَرٍ محطةَ تجارب فعليك أن تتحمل النتائج.

Ad

مضى على تحوُّل قضية "البدون" إلى مشكلة إنسانية ما يزيد على ٢٥ عاماً.

فقبل ١٩٨٦، كان "البدون" يعامَلون معاملة الكويتيين باستثناء الجنسية. بلغت نسبتهم في الأجهزة الأمنية قرابة الــ٨٠ في المئة، وكانوا يحصلون على معاملة تفضيلية في كل مناشط الحياة الاجتماعية، حتى أنهم كانوا يحصلون على بعثات خارجية للدراسة وأخرجوا أطباء ومهندسين وغير ذلك. كان ذلك قرار الدولة والمجتمع، واستمر حتى ١٩٨٦، على صدى الحرب العراقية- الإيرانية، حيث قررت الحكومة بشكل مفاجئ إلغاء كلمة "البدون" من قاموسها. نسيت الحكومة، أو تناست، أن تغيير المصطلحات شيء وحل المشكلة شيء آخر، وبدلاً من التوجه إلى الحل تفاقمت المشكلة، لا من حيث العدد فقط، بل من حيث أبعادها الإنسانية والاجتماعية والسياسية كذلك.

بعد تحرير الكويت من الغزو، والذي أبلى فيه الكثير من "البدون" بلاءً حسناً على مستويات عديدة، كان أحدها تلبيتهم لنداء الواجب والتزامهم بوحداتهم العسكرية وتعرضهم للأسر أو للاستشهاد. كنت أظن أن خير مقياس للولاء هو ما قام به الناس في الغزو، وقد شهدتُ على تفاني الكثيرين من "البدون" سواء أثناء تنظيمنا لزيارات أهالي الأسرى أثناء الغزو في معتقلات بعقوبة والرمادي وتكريت والموصل، أو بعد أن تعرضتُ للأسر ومعي ١١٨٢ أسيراً، منهم كويتيون ومنهم "بدون" في معتقل بوصخير شمال البصرة.

بعد التحرير، التقيت بوزير الدفاع الأسبق، رحمه الله، وكان اللقاء لحل بعض المشاكل التي يتعرض لها "البدون" في وزارة الدفاع، خصوصاً ما يتعلق بصرف مكافأة نهاية الخدمة وغيرها من المشاكل. أكد لي الوزير حينئذ أن لديه معلومات دقيقة عن أن نسبة الذين يستحقون الجنسية من "البدون" لا تتجاوز ١٠ في المئة. وسألته إن كان متأكداً من هذا الرقم، فكان رده بالتأكيد. حينئذ سألته: لا أعرف حقيقة عدد أو نسبة المستحقين من غيرهم، ولكن إن كانت المعلومات التي لديكم دقيقة جداً ومرت على كل الأجهزة الأمنية، فلماذا لا يتم تجنيس ١٠ في المئة ومن ثم يتم التعامل مع البقية إنسانياً؟ فكان رده، رحمه الله، أن هذا موضوع معقد، ولابد من دراسة كل حالة على حدة. ومنذ ذلك الوقت، أدركت أننا داخلون في نفق طويل.

طريق الحل بسيط وسلس وسهل؛ فما كان ١٠ في المئة سنة ١٩٩٢ أصبح حقيقة واقعة ٣٤ في المئة في سنة ٢٠١١، بإقرار الجهاز الرسمي، وبعد عصر ونخل وتدقيق كل الأجهزة الأمنية بكل أجنحتها وكذلك الصحية والتعليمية وغيرها.

كنت منذ زمن طويل، قد طرحت أن الحل يتضمن شقين، أولهما العودة إلى ما قبل ١٩٨٦ بالنسبة إلى جميع "البدون" بلا استثناء، أي المعاملة الإنسانية المطلقة لجميع المسجلين في أجهزة الدولة، والشق الآخر هو تجنيس المستحقين. وحسب ما سمعت وفهمت من التوجه المعلن للحكومة فإنها تتفق مع هذا التصور، وبالتالي فإن تطبيق الشق الأول لا يحتاج إلى مزيد من التعطيل، وبالإمكان تنفيذه مباشرة، أما الشق الآخر فيتم البدء بتنفيذه تباعاً.

هناك طبعاً جملة من المشاكل التي خلقتها المنهجية السابقة مثل الجوازات المزورة والقيد الأمني وغيرهما، وهذه المشاكل صنيعة حكومية مئة في المئة، ويجب معالجتها على الفور ودون تأخير بنفس المنطق الإنساني.

إن حل مشكلة "البدون" دون تأخير أهم بكثير من نتائج الانتخابات، فاز بها مَن فاز وخسر مَن خسر، فالتكلفة الإنسانية والأمنية والسياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية على المجتمع وعلى الدولة، أهم بكثير من أن نتركها للأوهام والتخرصات والبيروقراطية المتوحشة.

نحن أمام مشكلة تتفاقم بمرور الزمن وتتعقد ولا يحلها الزمن والتجاهل... ألا هل بلغت اللهم فاشهد.