محاكمة النواب استعادة للثقة المفقودة
هل سقوط الحكومة السابقة وتشكيل أخرى جديدة سيؤدي إلى حل الاختناقات وتحريك الجمود العام؟ وهل مجرد تعيين رئيس وزراء جديد سيترتب عليه حلٌّ للمعضلة التنموية؟ وهل سيؤدي قدوم مسؤول كبير جديد/ قديم إلى تحريك الملفات العالقة، وعلى الأخص ملف الفساد وملف التنمية؟ لدينا شك كبير في أن نخرج من حالة الترهل السائدة منذ عدة سنوات، بمجرد تغيير أشخاص.في التحولات المزعجة التي تمر بها المجتمعات، وحين تضيع البوصلة، ويحل الإحباط محل التفاؤل والتوجه للمستقبل، يحاول الناس التمسك ببصيص أمل، أياً كان هذا الأمل، ليمثل نقطة بداية ربما تشجعنا على التفكير برؤية أكثر تطلعاً للقادم من الأيام. وبالتالي فإن خطوة استقالة الحكومة وتعيين رئيس وزراء جديد لا يمكن لها وحدها أن تكون ذلك الأمل؛ فالمطلوب كثير، والملفات الملقاة على قارعة الطريق كثيرة ومتقيحة.
أظن أن أحد أهم الاختبارات سيكون في كيفية ودرجة الجدية في التعامل مع ملف الإيداعات المليونية أو "نواب غيت"، فهي قضية أهم بكثير من مجرد رحيل رئيس وزراء وقدوم آخر... لماذا؟على مدار السنوات منذ تأسيس مجلس الأمة، والنواب يصولون ويجولون في محاسبتهم للوزراء، وقد اتَّهم العديد منهم الوزراء بتهم فساد لا تعد ولا تحصى، بل إن بعض الوزراء عندما وصلت مسألة طرح الثقة إلى الحلقوم، استقال من منصبه، وفي الغالب كان ملف الفساد ذاك يذهب دون تحقيق. بل إن مجلس الأمة قد أثبت فشلاً ذريعاً في تشكيله للجان التحقيق، حيث تم تشكيل ٣٧ لجنة تحقيق، ولكن لم تتم إحالة أحد إلى النيابة إلا في حالتين فقط. إذاً، وبغضِّ النظر عن النتائج المخيبة للآمال في الشق الرقابي لمجلس الأمة، فإننا على الأقل، شهدنا وزراء "يتشرشحون" بالحق أو بالباطل من قبل نواب، بعضهم صادق النية وبعضهم غير ذلك. أما النواب فكانوا عبر السنين لا يمسُّهم شيء، وكأنهم ملائكة، مع علم الجميع أن منهم مَن هو مرتشٍ، ومَن هو مستغل لمنصبه في تكسُّب غير مشروع من خلال إنشاء الشركات والدخول في مناقصات مع الدولة، حرمها ومنعها القانون. ويظل بعضهم ينجح المرة تلو المرة مع أنه قد اشتهر بموبقات كثيرة. ومع هذه السمعة الرديئة، ومع دخول السلطة على الخط في استغلال المال العام للدفع لعدد من النواب، وقبول الناس هذه الممارسة غير المشروعة وتحولها إلى مسلمات، فإن العملية السياسية برمتها تصبح تافهة وتدميرية للمجتمع، كما تصبح سمعة السلطة التشريعية في أسفل سافلين، ويصبح العديد من نواب المجلس قدوة للسلوك الفاسد بدلاً من العكس.نحن الآن أمام احتمال لبداية جديدة، لتغيير الصورة النمطية، حيث جاء دور النواب ولأول مرة في تاريخ الكويت السياسي الحديث. لدينا الآن حالة ارتكاب لجريمة جماعية من ١٣ نائباً حتى الآن. فبموجب القانون ٣٥ لسنة ٢٠٠٢ الخاص بغسل الأموال، فقد تمت إحالة ١٣ نائباً وزوجتين لنائبين ضمن ١٨ بلاغاً وجهتها خمسة بنوك بواقع ١٠ بلاغات للبنك الوطني و٥ بلاغات لبيت التمويل وبلاغ واحد لبنك برقان، فضلاً عن بلاغين متأخرين لبنك الخليج، يتضمنان اسمي نائبين تم ذكرهما في بلاغات سابقة، ولا يوجد حتى اللحظة بلاغ باسم أي من النائبات. وقد وصلت البلاغات إلى وحدة التحري في البنك المركزي، والتي بدورها أقرت وجود سلوك مالي مشبوه في الحسابات المذكورة. وبالتالي سيأتي الدور بعد ذلك على النيابة، والتي نتمنى عليها، كما يتمنى غيرنا، أن تتعامل مع الموضوع بحجمه التاريخي، ليبدأ المجتمع في استعادة ثقته بنفسه وبنظامه وسلطاته الثلاث دون استثناء.هذه هي أول مرة في تاريخنا يصبح لدى المجتمع فرصة حقيقية لمحاسبة نواب، وربما إدانتهم، والتي إن تمت فقد تؤدي إلى سجنهم وحرمانهم بالضرورة من ممارسة نشاطهم السياسي إلى الأبد. إننا أمام موضوع محدد لا مجرد شعارات تقليدية قد لا تسمن ولا تغني من جوع، فإن نجحنا كمجتمع في تحقيق ذلك، فإننا نكون قد اجتزنا أول اختبار في مرحلة جديدة، وبدأنا في استعادة ما تم فقدانه، وهو الثقة في كفاءة ونزاهة القائمين على العملية السياسية. ما إن يتحقق ذلك فإن الخطوات التي تليها ستكون مبنية على أسس أكثر متانة ورصانة.هذا هو في تقديري الاختبار الحقيقي، وليس مجرد تغيير وجوه، ولا حتى انتخابات جديدة.