يُخيّلُ إليَّ– وربما أكون على خطأ– أن أكثر المرشحين حظاً لمنصب الرئاسة في انتخابات الرئاسة المصرية القادمة، سيكون عبدالمنعم أبو الفتوح، المدعوم قلبياً وباطنياً من جماعة الإخوان المسلمين، فهو قيادي إخواني بارز، منذ كان طالباً في كلية طب جامعة القاهرة في السبعينيات، ومنذ أن حاور على مدرجات جامعة القاهرة الرئيس السادات حواراً جريئاً وحاراً وحاداً بخصوص المنافقين للرئيس، وبخصوص فصل الشيخ محمد الغزالي من وظيفته، وإجباره على العمل خارج مصر في الجزائر والسعودية وغيرهما؛ مما اضطر السادات إلى أن يقول له "الزم مكانك... اتعلموا الأدب... وأنا لن أسمح لأحد أن ينافقني... إلخ".

Ad

عوامل نجاح عبدالمنعم أبو الفتوح

هناك أسباب كثيرة، تُرجِّح نجاح عبدالمنعم أبو الفتوح، في الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، منها:

1- أن أبا الفتوح كان إلى عهد قريب من قيادات جماعة الإخوان المسلمين المرموقين، وإن كانت هناك خلافات مع المرشد العام ومع المكتب العام، أدَّت – فرضاً– إلى أن يخرج أبو الفتوح من صفوف قيادة هذه الجماعة، فمازال لديه الكثير من التأييد والدعم، لدى قاعدة "جماعة الإخوان المسلمين" العريضة في مصر، وخارجها، وهذه القاعدة الانتخابية الضخمة لن تجد من هو أقرب إلى أفكارها وطموحاتها من بين مرشحي منصب الرئاسة المصرية غير أبي الفتوح، تنتخبه.

2- عبدالمنعم أبو الفتوح– كمرشح رئاسي– ميزته الكبرى أنه يفقه كثيراً في الدين بنظرة عصرية، ويفقه كثيراً في السياسة، وهو ما لا تجده إلا عند القليلين جداً من خارج قيادات "جماعة الإخوان المسلمين"، وهو كطبيب من الإخوان المسلمين قد جمع بين فقه الدين العصري، وفقه العلم التطبيقي، وأصبحت نظراته السياسية إلى الأمور، تحكمها ثوابت الدين ومتغيرات العلم معاً، وهو ما لا يوجد تماماً، في أي مرشح من مرشحي انتخابات الرئاسة المصرية.

3- في مذكراته، التي نشرها في 2010 تحت عنوان "عبدالمنعم أبو الفتوح... شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984"، والتي كتب مقدمتها المستشار طارق البشري، يشيدُ أبو الفتوح بتأثره بالفكر السلفي، وأثره في الحركة السياسية المصرية، مما سوف يجعل السلفيين المصريين– وقد أصبحوا الآن قوة سياسية، لا يُستهان بها، من خلال نتائج الانتخابات التشريعية، التي حققوا فيها نسبة عالية- يطمئنون إلى مصداقيته، ويصوّتون له كأقرب مرشح إلى فكرهم.

وهم يعلمون دعم جماعة الإخوان المسلمين الكبير غير المباشر له فيقول أبو الفتوح، مادحاً السلفية: "كانت السلفية حاضرة بقوة في تكويننا الفكري، فأقامت حاجزاً بيننا وبين ثورة 23 يوليو، وهو الحاجز الذي صار جداراً شاهقاً، بسب ما أحدثته هذه الثورة من خوف وهلع لدى الأنظمة العربية الحاكمة، التي فعلت الكثير للتخويف من الثورة". (ص 104).

4- لا شك أن جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات السلفية، يُضمرون العداء والبغضاء لإسرائيل، من خلال معاهدة السلام المصرية–الإسرائيلية (كامب ديفيد 1979) وربما هاجموها في كثير من المناسبات، عندما تستثيرهم الدهماء الشعبية وتستفزهم، أما وقد أصبحوا اليوم حكاماً، فلا يرون من أمرهم غير المهادنة السياسية والمواربة البلاغية، نظراً لحال مصر العام، وما يحيطها من تحديات إقليمية ودولية. وربما وجدوا –جميعاً- في أبي الفتوح، ما يُشفي غليلهم السياسي، وغلوائهم الدينية، وهو المرشح الرئاسي الذي يقول في مذكراته: "يمكن القول إن مصر كانت تعيش أجواء انفتاح وحرية، إلى أن بدأ السادات مشروعه للسلام مع الصهاينة. وأن العلاقة بين السادات والحركة الإسلامية كانت طبيعية، ولكنها تأزمت تماماً مع بدء مشروع السلام إلى أن وصلت للصدام، حين قرر السادات إقامة علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني". (ص110).

ولنعلم، أن هذا الكلام قد قاله أبو الفتوح في 2010، وهو في صفوف القيادة الإخوانية، وبما يتناسب وقتئذ مع طروحات الإخوان المسلمين السياسية، في عهد مبارك، كما علينا أن نعلم، أن ما يقال داخل تنظيم "جماعة الإخوان المسلمين"، يختلف عمّا يقال خارجها. وما يقال عن قيادي في "الجماعة"، يختلف عمّا يقال عن مرشح للرئاسة. فالمرشح للرئاسة له من الضوابط السياسية ما لا للقيادي السياسي غير المرشح لمنصب رئاسي، و"جماعة الإخوان المسلمين"، وكذلك السلفيّون، تخلّوا الآن عن آراء سياسية تجاه إسرائيل والغرب وأميركا، كانوا يحملونها قبل الانتخابات التشريعية الماضية. وأصبحوا جميعهم يرددون ضرورة احترام المواثيق الدولية- ومنها كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية- وقد أدركوا جميعاً أن السياسة، هي فن الممكن، بعد أن أصبحوا ساسة ذوي مناصب رسمية في هذه الأيام.

5 - ولكي يحظى أبو الفتوح بأصوات بعض الليبراليين من الوفديين، و"حزب التجمع"، والكتلة المصرية وغيرهم، راح بذكاء شديد، يهاجم تسيُّس جماعة الإخوان المسلمين، ويقول بالحرف الواحد: "مساوئ تأسيس الإخوان حزباً سياسياً، ستظهر فيما بعد، وستضر بالدين والسياسة معاً". (قناة "المنار"- 26/1/2012). وبهذا تحوّل أبو الفتوح إلى لاعب سياسي ماهر يلعب بالبيضة الدينية والحجر السياسي، وهو الذي تمرَّس منذ السبعينيات في النضال السياسي من خلال اتحادات الطلبة الجامعيين في كلية طب جامعة القاهرة.

6- علل أبو الفتوح تهنئته لجماعة الإخوان المسلمين فور تشكيلها حزباً سياسياً، رغم خلافه معهم فى هذا الشأن– كما قرأنا أعلاه– مؤكداً أن الخلاف فى الرأي لا يُفسدُ للودِّ قضية، معتبراً خلافه مع الجماعة في هذا الشأن إدارياً.

7- ولكي يقدم أبو الفتوح نفسه كمرشح ليبرالي للغرب- صاحب المفاتيح الكثيرة للرئاسة العربية والمصرية على وجه الخصوص- شارك في المنتدى الاقتصادي السنوي السويسري في دافوس Davos– قبل أيام- لكي يدافع عن حقوق المرأة العربية، أمام المجتمع الدولي المهتم بحقوق المرأة في العالم العربي، نتيجة لما تلقاه المرأة العربية من عزل وتهميش سياسي، واقتصادي، واجتماعي، وثقافي.

وقال أبو الفتوح في هذا الشأن: "إن المرأة ظُلمت كثيراً في المجتمعين الشرقي والغربي، وتحوَّلت لسلعة في الإعلانات، ويجب أن تُعاد لها كرامتها، وتُعامل كإنسان، وليس كأنثى". وقال في الثورة العربية التي ينهمك الغرب يومياً في أخبارها، ونتائجها: "الثورات العربية صرخة أمل نحو عالم جديد، عالم يُقيم الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية". وهذه الأفكار والشعارات الليبرالية، من شأنها أن تزيد من ليونة قناة الغرب نحو أبي الفتوح، وتُلمِّع اسمه كمرشح تقدمي وليبرالي إسلامي للرئاسة المصرية.

8- وأخيراً، قال أبو الفتوح في آخر تصريح له، إنه سيسحب ترشحه إذا تمَّ التحوّل في الدستور الجديد إلى نظام برلماني، وقال: "لن أستمر، فأنا لم آتِ لكي آخذها فانتازيا". "ويقولوا الرئيس راح... الرئيس جه".

المثال المُحتذى!

وبعد، أليست ملاحظة تُثير العجب، أن يقوم كاتب ليبرالي، بتزكية مرشح من الإخوان المسلمين، أو -على الأقل- ليبرالي إسلامي لمنصب الرئاسة المصرية، والدفاع عن ترشيحه، وتشجيع انتخابه. إنه مثال يجب أن يُحتذى، لمدى إيمان بعض الليبراليين الصادقين بالديمقراطية، وأن خلاف الرأي، لا يُفسدُ للودِّ قضية، ونأمل أن يكون في هذا المثال المُحتذى لليمين واليسار العربيين على السواء.

* كاتب أردني