في البدء كان صراع هابيل وقابيل اللذين تبارزا فيه على أفضلية قربانيهما للظفر بالزواج بأختهما وقتل أحدهما الآخر في سبيل ذلك، ومذ ذاك والبشر يتصارعون على الامتيازات والجاه والسلطة بأفضلية ما يملكون من نسب وثروة وانتماءات أخرى مختلفة، حتى جاءت الأديان التي حثت على المساواة والعدالة، وتوصلت الحضارة الإنسانية إلى تشريعات تجرم التفرقة العرقية والطبقية والمذهبية والدينية، فأكدت الشريعة الإسلامية تساوي البشر أمام خالقهم «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم» وكذلك تراتيل المسيحية (غل 3: 28، لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع... ليس ذكر وأنثى)، وما توصلت إليه التشريعات الإنسانية من قوانين تجريم ومعاقبة الكراهية والحقد والتحريض ضد أية فئة اجتماعية أو تحقيرها ونبذها بهدف حرمانها حقوقها أو التجاوز على كرامتها الإنسانية، وهي قوانين قائمة في أوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى، وتطبق بدقة وصرامة لديها.

Ad

إنجاز الحكومة قانون الوحدة الوطنية في جلستها الأحد الماضي وإحالته إلى مجلس الأمة يعتبر نقطة وطنية كبيرة تسجل لمصلحة الحكومة، خاصة أن مواد القانون مصوغة بشكل محترف وشامل يقارع القوانين المعمول بها في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، ولكن ما شكل مفاجأة كبيرة للمتابعين للشأن المحلي هو عدم احتفاء النواب بكل انتماءاتهم بقانون الوحدة الوطنية عبر إبداء النية بمنحه صفة الاستعجال او حتى مباركته، أو احتضان القانون الذي جاء في وقت عصيب مر فيه البلد بمراحل حرجة من الطرح العرقي والمذهبي، والذي أوشك أن يؤدي إلى مواجهات في منطقة صباح الناصر في مطلع العام الحالي، وتشابك بالأيدي بين النواب في قاعة عبدالله السالم على خلفية جدل مذهبي تطور الى موقعة «العقال» المشهورة.

والمستغرب أيضاً هو بدء بعض النواب والكتل البرلمانية عبر التسريبات الصحافية حملة ضد قانون الوحدة الوطنية، الذي طالما لامت قوى برلمانية الحكومة السابقة لعدم إنجازها تشكيل لجنة حماية الوحدة الوطنية بناءً على مضامين النطق السامي في افتتاح دور الانعقاد الحالي في أكتوبر الماضي، بل إن بعض النواب في الأشهر الماضية هددوا بأن يكون موضوع لجنة الوحدة الوطنية وإنجاز مهامها محوراً في استجواب سيقدم إلى سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، لكنهم يستقبلون نتاج أعمال هذه اللجنة المتمثل في قانون الوحدة الوطنية بفتور ويهاجمونه بشكل غير مباشر، ويتهمونه بأنه سيشكل تهديدا للحريات الإعلامية رغم أنهم يعلمون تماما أن أعرق الدول الديمقراطية لديها قوانين مشددة لمنع الكراهية والتعدي على الوحدة الوطنية والدعوة الى ازدراء أي فئة من المجتمع.

ونتيجة لردة الفعل النيابية فمن المتوقع أن تكون جلسات مناقشة قانون حماية الوحدة الوطنية سواء في لجنة الشؤون التشريعية والقانونية البرلمانية، والمناقشة العامة في قاعة عبدالله السالم مناسبة فارقة لسقوط أقنعة نواب ملأوا البلد طوال أكثر من عام خطابات عن الوحدة الوطنية والمساواة والعدالة بين أبناء الشعب الكويتي، بل إن البعض منهم سيقاتل حتى لا يصل القانون إلى قاعة المجلس لمناقشته حتى انتهاء دور الانعقاد الحالي، ويعزون ذلك إلى أن أساس تفوق العديد من النواب انتخابياً يرتكز على قواعد قبلية ومذهبية وفئوية، لذا فإن تجريم قانون الوحدة الوطنية للتفاخر بالعرق والمعتقد سيسلب من خطاباتهم لب عنفوانها وقوة تأثيرها الجمعي على الناخبين، كما سيجعل عدداً كبيراً من النواب الذين يروجون لأنفسهم ببعد مذهبي (سني-شيعي) أو بانتماء عرقي تحت تهديد المساءلة القانونية، لذلك فإننا سنشهد حملة ضخمة ضد قانون الوحدة الوطنية المقترح الجديد تحت عناوين مختلفة يراد بها قبر هذا القانون بالباطل، منها تهديده لحرية التعبير والإعلام، وتضاربه مع عادات وموروث المجتمع، وسينكث معظم النواب الذين طالبوا بحماية الوحدة الوطنية عن مطالبهم تلك تحت ذرائع كفاية قانون المرئي والمسموع وقوانين الجزاء المدني والعقوبات، ليكتشف العامة أن لعبة السياسة الكويتية لا تتورع عن العبث بكل المسلمات وأخطرها السلم الأهلي والوحدة الوطنية الملازمة لها في سبيل كسب المعارك الفرعية والمناكفات السياسية العبثية.