ملاحظة محمد الجاسم للمعارضة في موقع "ميزان" صحيحة؛ فبعد أن وجه نصحه إلى الشيخ جابر المبارك بأن "العين عليه" رغم الوضع الصعب الذي يجد فيه الشيخ جابر نفسه بسبب أسرته (مجلس الشيوخ الحاكم) وبسبب التركة السياسية لمن سبقه (حدد الزميل محمد الجاسم هذه التركة بالشيخ ناصر المحمد ودور رئيس مجلس الأمة السيد جاسم الخرافي) بينما أعتقد أن الميراث المر يمتد إلى ما قبل الشيخ ناصر المحمد بكثير، وكانت بداية تراكماته تعلو ويخبو معها وهج ضوء "درة الخليج" عند لحظة إغلاق قبر الشيخ عبدالله السالم. يعود الزميل الجاسم بخطابه للمعارضة بأن عليها الآن أن تنقل نفسها إلى العمل الإيجابي (معارضة البناء)، وضربَ مثلاً وأمثلة للعمل الإيجابي المفروض على المعارضة العمل على تحقيقها، كتعديل قانون الإجراءات الجزائية، وأيضاً قانون تنظيم القضاء، كي لا تتكرر مسائل مثل احتجاز المواطنين على ذمة الحبس الاحتياطي مدداً طويلة في قضايا سياسية، ويختل التوازن المفترض بين التهمة (التي لم تصبح بعدُ جريمة بحكم نهائي) والعقوبة، فالحبس الاحتياطي هو إجراء احترازي (خشية من هروب المتهم) ولا يفترض أن يكون عقوبة بحد ذاته.
ولنتحدث عن المعارضة الإيجابية، وأرى أن أي معارضة، ولو لم يكن لها برنامج سياسي، أو قصرت دورها على الانتقاد والاعتصامات، هي "بطبيعتها" وبسبب علة وجودها، إيجابية مهما اختلفنا أو اتفقنا معها، فلا أحد يتصور وجود أي نظام حاكم من دون معارضة، مهما كان ذلك النظام كاملاً في عمله ومنهجه السياسي، وسواء حكمنا على هذه المعارضة بالرجعية والتخلف الحضاري أو بالتغريبية، حين تتبنى المرجعية الغربية. لكن العور والعيوب التي يفترض أن تضلع في تقويمها وإصلاحها تلك المعارضة يجب ألا تكون قاصرة على تعديل قانون الإجراءات الجزائية أو تكريس مبدأ استقلال القضاء والنأي به عن التجاذبات السياسية، فالمسألة يجب أن تكون حزمة تصورات لمشروعات قوانين تقتلع قوانين كثيرة من جذورها، قوانين أحالت أوراق الدستور إلى ورق تنظيف الواجهة السياسية للدولة (كدولة دستورية) في الشكل، ولكنها حقيقة ليست كذلك.هناك أمثلة كثيرة لهذه القوانين المخجلة، وهناك أمثلة أكثر لمشروعات قوانين تائهة، وهناك غياب متعمد أو "لا اكتراث" لتنفيذ تلك القوانين القائمة (على سبيل المثال لا الحصر قانون المرور ونسله المتمثل في حرب الشوارع) وهناك تصورات يمكن أن نفكر فيها، من قانون الجنسية الظالم لمستحقيها إلى الكثير من مواد قانون الجزاء، حين تصادر أبسط الحقوق والحريات الخاصة، إلى قانون المطبوعات والنشر، إلى قانون العزل الجنسي في الجامعات، إلى غياب تشريعات تنظم حقوق العمالة المنزلية... والقائمة طويلة، والعبرة ليست بوجود قانون ظالم أو غياب قانون كان يمكن أن يحقق العدالة، بل الداء هنا هو غياب إرادة جادة في تحقيق العدل والإصلاح عند أهل السلطة.حتى تضطلع تلك المعارضة المحصورة في تكتلات سياسية بهذا الدور (الإيجابي) يجب أن تشرع في تحويل نفسها إلى أحزاب سياسية منظمة ببرنامج عمل واضح، سواء باركت السلطة الحاكمة تلك الأحزاب أم لعنتها. وحين تصبح لدينا أحزاب نقرأ برامج عملها بعيون ثاقبة ونقيّم مواقف قياداتها، يمكن لنا عندئذ ـ وعندئذ فقط ـ أن نرفع الرأس قليلاً.
أخر كلام
نحو معارضة حزبية
04-12-2011