كلام بين فاصلتين!
ورقة أخرى ستسقط من "روزنامة" العمر، ورقة امتلأت بالنهارات وبالليالي حالكة السواد واللحظات التي ما بينهما،
ربما كانت هذه الورقة بالنسبة لي حادة المرارة في أسطرها الأخيرة، إلا أن الأمور لا تقيّم بخواتيمها دائما، وإنما بمجملها، في هذا العام أرتني الحياة إلى أي مدى قد يكون وجهها بشعا ودميما أحيانا، وأرتني في أحيان أخرى وجهها الفاتن الجميل، جرّبت طعنة في الظهر سيبقى أثرها طويلا من قريب، وجرّبت ضماداً من قريب آخر لجروح أخرى، بكيت كثيرا هذا العام وضحكت كثيرا أيضا وكما أن هناك شخصا يفعل كل ما من شأنه أن يرفع ضغطي بشكل شبه يومي، هناك على الطرف الآخر شخص آخر رغم بعده يطمئن يوميا على مدار السنة (وأعني يوميا) على أني تناولت كبسولة الضغط، وكما أن هناك لحظات كَدّست الحزن بكرم في قلبي، هناك لحظات أخرى غمرتني بما يفيض عن حاجتي للفرح! أنجزت بعض أحلام مشتهاة وأخفقت في أخرى ما أريد أن أقوله هو أن الحياة لا تختزل في لحظة، ولا في موقف، ولا في شخص، العمر يمر... والحياة تمطر أحيانا غيثا تحيي به العمر، وتمطر أحيانا جمرا يحرق أشجاره، ليست الحياة قاسية دائما، وليست بهية دائما، لا نقف عند نهايات ما نحب وكأنها نهاية العمر ولا نأمن للبدايات السعيدة وكأنها صورة طبق الأصل لما تبقى من العمر، القوي منا من يسارع في تضميد جرحه والتماثل للشفاء، لا ليتّقي جرحا آخر، ولكن ليكون مستعدا له! كن على يقين بأن ما بين كل لحظة تعاسة وأخرى لحظة فرح وما بين كل لحظة فرح وأخرى لحظة شقاء ونحن فقط القادرون على أن نطيل الفاصل بين لحظتين أو نقصّره، نحن فقط إذا أردنا... وإذا علمنا أن العمر صدر رحب يتّسع للمُر والشهد وحديقة لن يخلو وردها من الشوك، أيام قليلة وستسقط ورقة أخرى من "روزنامة" العمر، ودائما يبقى هذا السؤال حيّا في مثل هذا الوقت لا يموت: كيف "ستفلتر" الذاكرة الورقة الماضية؟! ماذا ستأخذ منها وماذا ستترك؟! البعض منا يعبئ حقيبة الذاكرة بالأمتعة الرثة والأسمال، وزجاجات العطر الفارغة، والورود الجافة، وكثير من الحصى! والبعض منا يحرص على انتقاء العطور التي أحب، والصور الجميلة التي التقطتها الذاكرة في لحظة فرح ما، وتربة عذراء خصبة، والطبيعي أن نخلط بين هذا وذاك، ولكن من المهم أن نراعي ألا تكون حقيبة الذاكرة ممتلئة أكثر بالظلام منها من النور، ألا يغلب الحصى على التربة الخصبة، ولا يزيد حجم المستنقعات الآسنة عن حجم الغيم، من المهم أيضا أن تتخلص الذاكرة قبل انطلاق رحلة السنة الجديدة من الوزن الزائد، هذا الوزن المكوّن من لحظات، ومواقف، و... ناس! هذا الوزن الذي سيسبب عبئا على كاهل السنة الجديدة، وسيكون شوكة في خاصرة الأمل، لنتخلص منه. وكل عام والجميع بخير،