غوانتانامو
تعد أغنية "غوانتناميرا" واحدة من أشهر الأغاني المعروفة في التاريخ المعاصر، وقد كتبت عنها عدة مقالات منذ سنوات، إذ إن موضوعها كان عن أحداث وقعت في خليج غوانتانامو في كوبا، أما اليوم ومنذ يناير ٢٠٠٢ فقد دخل خليج غوانتانامو التاريخ، ولكن ليس من باب الرومانسية الشاعرية، بل من باب انتهاكات حقوق الإنسان. ففي ذلك المكان، الذي تستأجره الولايات المتحدة منذ زمن وتوجد فيه قاعدة بحرية أميركية تم تأسيس "كامب دلتا" الذي خُصِّص لاعتقال واحتجاز أي شخص تقرر الحكومة الأميركية وأجهزتها الأمنية أنه يمثل تهديداً لها، ويحدث ذلك منذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١، ولها أن تختار العدو وتقوم باعتقاله واحتجازه للأبد من دون السماح له بأي دفاع من أي نوع أو أي حماية قانونية، أو الاستفادة من قواعد القانون الإنساني الدولي، ومن دون حتى توجيه اتهام. والمحزن في الأمر أن ذلك السلوك البدائي لم يقتصر فقط على غوانتانامو، ولكنه امتد إلى قاعدة باغرام العسكرية في أفغانستان، فضلاً عن تأجير السجون في دول أخرى، أغلبها في منطقتنا العربية والإسلامية، في حالة تواطؤٍ دولي مخجلة. يعلق البروفسور جوزيف مارغوليس، أستاذ القانون الدولي بجامعة "نورث ويسترن" على المنطق المتغطرس الذي فرضته حكومة بوش بأنه سابقة خطيرة في تاريخ الولايات المتحدة، فمن غير المقبول "أن تكون لك الصلاحية في تحديد الخصم واتخاذ إجراءات ضده في أي مكان بالعالم، وسجنه بلا مدة محددة وبلا حماية قانونية تحت ظروف قاسية، مع منعك أي مراجعة قانونية لوضع ذلك الخصم عن طريق المحاكم، وفي مقابل كل تلك الصلاحيات غير المحدودة فإن الضمانة الوحيدة لمنع الانتهاكات لا تعدو كونها وعداً من الرئيس باستخدام تلك الصلاحيات بحكمة". ويعقب: "لن نجد مكاناً آخر يختزل كل تلك الانتهاكات كما هو الحال في غوانتانامو". وهكذا فإن مَن يتصور أن وجود غوانتانامو هو لمحاربة الإرهاب فإنه صار عليه أن يدرك أن استمراره يمثل حرباً على العدالة وانتهاكاً لكل القيم الإنسانية، وخرقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى التعدي على المبادئ العدلية العامة للدستور الأميركي ذاتها، بل إن تلك الانتهاكات وانتقاص العدالة هي التي تدعم الإرهاب وتقويه وتعززه. اليوم يمثل الذكرى العاشرة لافتتاح معتقل غوانتانامو واستقباله لأول أسير، ومن المقرر أن تقام فعاليات كثيرة في أنحاء العالم حتى في داخل الولايات المتحدة، كما سيُقام في الكويت، عند الــ٧ مساء اليوم، تجمعٌ أمام السفارة الأميركية للتعبير عن رفض إبقاء معتقل غوانتانامو وانتهاكاته الصارخة، والذي يمثل وجوده نقطة ارتياح للعديد من أنظمتنا التي تمارس انتهاكات شبيهة ولربما أشد.