لا يختلف اثنان على أن البطالة هي أعتى مشكلة اقتصادية واجتماعية تواجهها المجتمعات المعاصرة، وهي معضلة يترتب على انتشارها العديد من المشكلات والأزمات الأخرى، كما يترتب على وجودها تكاليف عالية وتبعات باهظة.
وفي الوقت الحاضر، يشكل إيجاد ما بين 60 و70 مليون فرصة عمل منتجة في العالم العربي تحدياً حقيقياً لحكومات البلدان العربية، سواء في دول المغرب العربي التي اجتاحتها ثورة غضب «الربيع العربي» أو في دول المشرق العربي التي يعاني عدد لا بأس به منها تفاقماً حاداً في معدلات البطالة السافرة، وتؤكد ثورات الشارع العربي في سورية واليمن هذه الحقيقة.أما داخل منظومة دول مجلس التعاون، فيتم توظيف الجانب الأكبر من دخل النفط من أجل التصدي لهذه المشكلة عبر إيجاد وظائف غير منتجة أو متدنية الإنتاج في القطاع العام، أي أن أزمة البطالة السافرة يتم استبدالها بأخرى مقنعة، وهذا خيار يحل المشكلة في جانبها الاجتماعي، ولكنه يعجز عن معالجة تكلفتها الاقتصادية.في هذا السياق كتبت كريستين لاغارد، التي تبوأت منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي هذا العام، وكانت وزيرة للمالية في فرنسا، وصنّفت حينها كأفضل وزير للمالية في منطقة اليورو، مقالاً بعنوان «الربيع العربي بعد مرور عام» يستحق الاهتمام. مقال لاغارد يرسم ملامح الطريق للخروج من هذه الأزمة، وهي ملامح لابد من أن نقرأها بدقة، فهي تتوافق مع المنطق الاقتصادي السليم، بل وأكثر من ذلك تتوافق مع التوجه الاستراتيجي الذي عبّرت عنه خطة التنمية في الكويت، وخاصة ما يتصل بالتصدي للفساد المالي وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية.تقول لاغارد: «إن الاستقرار الاقتصادي الكلي والنمو الشامل للجميع يمكن- بل ويجب- أن يسيرا معاً. والأكثر من ذلك أن الحكومة والقطاع الخاص يجب أن يعملا في تناغم. فيجب أن يكون للقطاع الخاص، دور قيادي في دعم الاستثمار والإنتاجية والتنافسية وتوفير فرص العمل». وتضيف أن «تحقيق ذلك يتطلب من الحكومة توفير بيئة مواتية. فينبغي أن تنشئ مؤسسات حديثة وشفافة لتشجيع المساءلة والحوكمة السليمة وضمان قواعد عمل تقوم على الشفافية. كما يجب على الحكومة إرساء قواعد الاقتصاد الحديث التنافسي عن طريق تفكيك المصالح وشبكات الامتيازات التي تحول دون وصول المنطقة إلى إمكاناتها الاقتصادية الحقيقة».إذا كان ذلك هو المخرج العلمي بل والمنطقي أيضاً من معضلة البطالة السافرة، فهو بالتأكيد السبيل الوحيد للقضاء على البطالة المقنعة، وهذا يستوجب السير قدماً في الإصلاح الاقتصادي الذي دعت إليه وثيقة خطة التنمية، التي تجاهلها كثيرون ونظر إليها البعض وكأنها مجرد شق طريق هنا أو بناء جسر هناك. ويحدونا أمل، نتمنى أن لا يتحول إلى مجرد حلم، أن تعيد المرحلة السياسية الجديدة التي تقف الكويت على أعتابها قطار التنمية إلى مساره الصحيح.* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت
مقالات
وجهة نظر: الإصلاح الاقتصادي ومعضلة البطالة
25-12-2011