كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية احتدم النقاش حول "الانتخابات الفرعية" التي يجرمها القانون، وهو ما أكده مجدداً حكم المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ "5 ديسمبر 2011" والقاضي بدستورية قانون تجريم "الفرعيات" ورفض الطعن المقدم بعدم دستوريته.

Ad

ومن الأمور التي كثيراً ما يثيرها المدافعون عن الانتخابات الفرعية أو"التشاوريات" التي تجريها القبائل والطوائف والعوائل قضية تشابهها مع التصفيات الأولية التي تجريها الأحزاب الديمقراطية العريقة في الدول المتقدمة، فهل هذا صحيح؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نؤكد قضية أساسية يهملها البعض، سواء بحسن نية أو بسوئها، وهي أن الانتخابات الفرعية التي يجرمها القانون لتعارضها مع الدستور لا تقتصر على الانتخابات "القبلية" فقط رغم أن "فرعيات" القبائل أكثرها شهرة وعلانية ولا على الدائرتين الانتخابيتين الرابعة والخامسة، بل إنها تشمل أيضا الانتخابات الفرعية الطائفية والفئوية والعائلية التي تجرى في الدوائر الانتخابية كافة بأشكال وطرق متعددة، والقول بغير ذلك يدخل في خانة الكيل بمكيالين والانتقائية في تطبيق القوانين.

والآن وللإجابة عن السؤال الآنف الذكر، فإنه يلزمنا بداية استعراض أهم الفروق الجوهرية بين الحزب كمؤسسة تنظيمية سياسية وكل من الطائفة والقبيلة والعائلة ككيانات اجتماعية ودينية والتي يمكن تلخيصها في قضيتين أساسيتين هما:

أولاً: نظام العضوية أو الانتساب: تعتبر العضوية اختيارية في الحزب الذي يقوم على أسس ديمقراطية بل مفتوحة لجميع المواطنين الذين يوافقون على برنامجه بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين أو الأصل أو العرق أو المذهب أو المنطقة. لهذا تجد المسلم والمسيحي والبوذي واليهودي وحتى من لا يؤمن بدين معين، وكذلك المرأة والرجل والأسود والأبيض وغيرهم ينتمون كأعضاء، مثالاً لا حصراً، لحزب العمال البريطاني أو الحزب الديمقراطي في أميركا.

كما تجد أفراد عائلة معينة أو طائفة أو عرق معين ينتمون إلى أحزاب مختلفة حسب ميول كل منهم الفكرية والسياسية التي يعكسها عادة برنامج الحزب، بل باستطاعة أي شخص أن ينتقل في أي وقت يشاء من حزب إلى آخر قد يكون بينهما تعارض كامل في الأفكار والبرامج.

أما "نظام العضوية" أو الانتماء إلى القبيلة أو العائلة أو الطائفة، فهو انتماء "بيولوجي" محصور بذوي العرق الواحد أو انتماء ديني مقتصر على الدين أو المذهب الواحد، لهذا فحرية الاختيار، كقيمة ديمقراطية سامية، غير ممكنة هنا، إذ لا يمكن الانتقال من قبلية أو طائفة أو عائلة إلى أخرى وإن حصل هناك بعض الاستثناءات، فإنها استثناءات محدودة جداً تؤكد القاعدة ولا تنفيها.

ثانياً: البرنامج السياسي: في النظام الديمقراطي يكون انتماء الأعضاء إلى الحزب بناء على موافقتهم وإيمانهم بما يطرحه هذا الحزب من رؤى وبرامج سياسية، لهذا تتعدد الأحزاب بتعدد البرامج التي تطرحها ويقوم كل حزب عادة بعمل تصفيات أولية بناءً على آليات ديمقراطية معلنة لاختيار أفضل المرشحين من بين أعضائه الذين سيكونون قادرين، في حال نجاحهم، على تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي يشارك في إعداده الأعضاء كافة ويعكس، بالتالي، خطه السياسي العام الذي من المفترض أن يعبر عن تطلعات جميع مكونات المجتمع الذين انضموا إليه طواعية.

بالطبع هناك تيارات وأجنحة مختلفة داخل كل حزب سياسي ديمقراطي تتصارع داخليا حول السياسات والبرامج التي من المفترض أن يتبناها الحزب ويطرحها على الشعب، وهو الأمر الذي قد يزيد من شعبية الحزب من خلال كسبه عدداً من الأعضاء الجدد، أو انحسار هذه الشعبية أي تخلي أعضائه عنه.

أما في التنظيم الاجتماعي للقبائل والعوائل أو في الطوائف الدينية فلا وجود لبرنامج سياسي البتة لأن الانتماء في الأساس، وكما بيّنا آنفا، لم يكن بناء على نوعية البرامج السياسية.

هنا يتبين لنا الفرق الشاسع بين تركيبة الحزب ونظامه الداخلي من ناحية، وتركيبة القبيلة أو الطائفة أو العائلة من الناحية الأخرى، وبالتالي بين تصفيات الأحزاب الديمقراطية و"الفرعيات" القبلية والطائفية والفئوية والعائلية التي يترتب عليها عادة الإضرار بالترابط الداخلي للقبيلة أو للعائلة ككيانات اجتماعية محترمة وبالعلاقات داخل الطائفة كذلك، ناهيكم عن علاقة كل منهما بالأطراف الاجتماعية والمذهبية الأخرى في المجتمع.