الهروب إلى الأمام وإنكار وجود المشاكل لا يعنيان عدم وجودها، بل بالعكس فإنهما يساهمان في تفاقمها، ويخلقان مشاكل أخرى جديدة قد تكون أكثر مأساوية من المشكلة الأصلية، وغني عن البيان أن الحكومة الكفؤة لا تتهرب من مواجهة ما يعترضها من مشاكل أو عقبات لأن هذا يعني تخليها عن دورها الأصلي المتمثل بإدارة شؤون الدولة والمجتمع، وتلبية مطالب الشعب وتطلعاته.

Ad

كما أن الحكومة الجيدة لا تضيع وقتها وجهدها ووقت المجتمع وثروته في التركيز على الأعراض الثانوية لأي قضية أو مشكلة عامة؛ بعد تضخيمها والتعامل معها وكأنها هي القضية الأساسية بينما تهمل، نتيجة لعجزها وسوء إدارتها، معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة الحقيقية التي قد تكون بسيطة في بداياتها، لكن إهمالها وعدم الاعتراف بها قد يؤديان إلى تفاقمها وخلق مشاكل أخرى جديدة أكثر حدة، ومن الصعوبة بمكان معالجتها.

بكلمات أخرى فإن الحكومات الديمقراطية الكفؤة تتصدى للمشاكل العامة، وتضع خططا وبرامج وسياسات عامة للوقاية منها، وتقاتل لكسب ثقة الناس لأنها تعرف أن تدني شعبيتها يعني سقوطها.

صحيح أنه ليس لدينا حكومة برلمانية منتخبة كما هي الحال في الدول الديمقراطية الحقيقية، لكن المتمعن في المذكرة التفسيرية للدستور يعرف أن اهتزار الثقة الشعبية بالحكومة يتطلب مغادرتها على الفور، فهل فقدت الحكومة الحالية الثقة الشعبية؟ الجواب هو بالإيجاب، وهناك أكثر من دليل، لكننا سنكتفي هنا بثلاثة أدلة فقط:

الأول هو نتيجة التصويت على طلب عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء في الاستجوابات السابقة، والتي كادت في إحداها أن تبلغ العدد المطلوب دستوريا لإعلان عدم التعاون.

أما الدليل الثاني فيعكسه الغضب الشعبي المتنامي نتيجة لانتهاك الحكومة للدستور عدة مرات، وإدراتها السيئة لشؤون الدولة والمجتمع، وعدم اتخاذها قرارات حازمة تجاه قضايا الفساد السياسي الصارخة، مثل الإيداعات والتحويلات المليونية، وهو ما انعكس بشكل واضح من خلال المواقف المعلنة لأغلبية أعضاء مجلس الأمة المنتخبين، وللقوى السياسية والشبابية، وعدد من منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية، ناهيك عن تزايد أعداد المواطنين المشاركين في التجمعات المعارضة للنهج الحكومي والمطالب بحكومة جديدة برئيس ونهج جديدين، والتي أصبحت تلتئم بشكل شبه أسبوعي في "ساحة الإرادة"، ومن المرجح جدا أن ترفع من سقف مطالبها إن استمر النهج الحكومي الحالي.

والدليل الثالث هو ما يتردد عن أن الحكومة تحاول جاهدة الهروب من مواجهة الاستجواب المقدم إلى رئيسها والخاص بالإيداعات والتحويلات المليونية الذي من المفترض مناقشته الأسبوع القادم تحت حجج ومبررات واهية وغير دستورية لأنها، أي الحكومة، تعرف، كما تقول كتلة المعارضة، أن عدد الأعضاء المؤيدين للاستجواب قد يتجاوز 25 نائبا، وهو العدد اللازم لإعلان عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء أي مع الحكومة بكاملها.