ما الذي ينتظره المثقف العربي من ربيع الثورات العربية؟ للاجابة عن السؤال نحن بحاجة أولا لإقناع المثقف بالانسلاخ من المؤسسة التقليدية للثقافة العربية. وهو يبدو عملا جبارا بحاجة الى الكثير من التضحيات. فالمثقف كان المستفيد الأكبر من احتضانه للثقافة الرسمية بنفس القدر الذي أفادت منه المؤسسة الرسمية. فلقد كان يعمل في أغلب الأحيان على إرضاء ابداعه الأدبي وعدم المصادمة مع ثوابت النظام. وجهد كهذا كان بلاشك يشكل عائقا أمام الابداع الحقيقي وهو الأمر الذي أبعد كثيرا من أصواتنا الجميلة خارج دائرة الاهتمام لأنها فشلت في الموازنة بين قناعاتها الابداعية وأيديولوجيات الأنظمة. والمجال الوحيد لظهورها هو دار نشر خارجية أو مؤتمر ثقافي غير رسمي وهما مؤسستان لا وجود حقيقيا لهما في العالم العربي.

Ad

الذين ينظرون الى الثورات العربية اليوم نظرة محدودة وهم يقيمون ارتباكها لا يدركون الهدف الأسمى الذي حققته تلك الثورات وهو اقتلاع بذرة الخوف الذي نمت أشجارا في داخل كل ذات عربية حتى كدنا نصل الى اليأس من مجرد التفكير باقتلاعها. ولنكن متشائمين جدا ونقول بأن الثورات العربية لن تأتي بالكثير سياسيا واقتصاديا، لكننا لا ننكر أنها ليست كذلك ثقافيا. لقد أنهت الثورات العربية، سواء نجحت كما ينبغي أم لم تنجح، دور المثقف الخانع والقابع تحت رداء السلطة الجائرة. فالثورة التى تحرك البسطاء وتكسر حاجز الخوف لديهم جديرة بإنتاج مثقفها من بين هؤلاء البسطاء. والحاجز الأكبر الذي على المثقف هدمه هو سور المؤسسة الثقافية الرسمية.

المجالس العليا للثقافة في الدول العربية والملحقة عادة بوزارة الثقافة أو الاعلام والتي عاشت زمنا من الفساد والهيمنة الشاذة لأسماء وضعت مصالحها الشخصية فوق مصلحة المثقف عليها أن تتحول الى جمعيات نفعية شعبية يديرها المثقفون في كل بلد دون تدخل من السلطة. وما تمنحه الدولة من دعم مادي لها لا يخضع تحت وطأة ابتزازها والهيمنة على مخرجاتها بل هو حق من حقوقها غير مشروط بنوعية انتاجها الثقافي سواء كان مع السلطة أو ضدها. فجميعنا نعلم بأن أدراج أمناء المجالس تحتوي قوائم دائمة وثابتة بأسماء الذين من حقهم المشاركة في المنتديات والمؤتمرات الخارجية وأسماء الذين من حقهم طباعة كتبهم والذين من حقهم الفوز بجوائز الدولة التشجيعية والتقديرية. وهي أسماء تتكرر في كل مؤتمر ويعرفها المتابع ويعرف إمكاناتها الحقيقية.

ربيع الثورات العربية هو فرصة المثقف للعمل جنبا الى جنب مع بسطاء الناس الذين يدفعون حريتهم ودمهم لينال الجيل القادم حريته والخطوة الأولى التي يجب الاقدام عليها هي التخلص من نير المؤسسة الثقافية والخروج من عباءتها. وكنت أتمنى أن يعلن المجلس الأعلى للثقافة في مصر نفسه مجلسا خارج برنامج السلطة أيا كانت السلطة. ولتكن الثقافة العربية في أهم بلد عربي شبيهة بالثقافة في الغرب لا تخضع لأحد غير ذاتها وما تستفيد منه ماديا هو مساهمات دافعي الضرائب للمؤسسات غير الربحية واشتراكات أعضائها ومنتسبيها.