أُعلِنت يوم أمس نتائج أول انتخابات حقيقية، جدية، نزيهة في تونس. بكل المقاييس والمعايير الدولية تفوّقت الممارسة الانتخابية التونسية على نفسها، فالمشاركة قاربت التسعين في المئة، والمشاكل لا تُذكَر، والإجراءات سلسة ونزيهة. يطرح الأمر سؤالاً منطقياً حول ثقافة الممارسة الديمقراطية في بلدان ظلت أبد الدهر محرومة منها، ويضرب عرض الحائط بالحجج الاستشرافية التي قررت أنه لا يمكن لشعوبنا أن تخطو خطوات ثابتة نحو الديمقراطية، وكأننا مصابون بالجذام الديكتاتوري القمعي.
كل التقارير تؤكد نصاعة، ونجاعة، وكفاءة الإدارة الانتخابية بصورة غير مسبوقة، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أنه "إذا الشعب يوماً أراد الحياة... فلابد أن يستجيب القدر" بحسب أبي القاسم الشابي.بالطبع كانت هناك مساعدات فنية أممية ودولية غير حكومية لدعم وتعزيز هذه المسيرة. ركزت في مجملها على الجانب التقني للانتخابات والتدريب إلا أن ذلك النوع من الدعم هو أمر طبيعي واعتيادي خاصة في حالات التحول الديمقراطي الحاد.أما حالتنا التونسية فقد كانت هي محطة البدء بالنسبة للربيع العربي، وبالتالي فالخطوة الانتخابية استقطبت اهتماماً عالمياً ودعماً دولياً، إلا أن المشروع الانتخابي التونسي لم يتجاوز التكلفة المادية أو اللوجستية التي تمت بالعراق مثلاً، ولا أظنها تجاوزت المشروع الأممي في هاييتي، بل من المتوقع أيضاً ألا تصل تكلفته إلى جزء بسيط من تكلفة وتعقيدات الكونغو، وهو أكبر مشروع للأمم المتحدة في العالم، والذي من المتوقع أن تجرى الانتخابات هناك في نوفمبر القادم.من الواضح أن هناك عطشاً حقيقياً للممارسة الديمقراطية، يتجاوز في عمقه وتأثيره المكاسب الآنية السياسية، حيث يتدافع الناس بحرص على إخراج البلاد من عنق الزجاجة، والدخول في محطة سياسية أكثر صلابة يتم من خلالها وضع اللبنات للنظام السياسي القادم بكامل حلته ودستوره القائم على العدالة والمساواة والحرية والتعددية. ولربما تكون الحاضنة الثقافية السلمية في الفضاء الاجتماعي التونسي هي أكثر تجذراً مما كنا نظن ما ساعد على سلاسة العملية ورصانتها.هناك بالتأكيد مَن سيحكم على الانتخابات استناداً إلى نتائجها، وبالذات في حصول حركة النهضة الإسلامية على نسبة كبيرة من الأصوات، وهو حكم لا ينتبه إلى محطات التغيير ومراحل التحول، وإن أياً كان الفائز فسيتحمل مسؤولية تاريخية كبرى، وإن الديمقراطية تعني القبول بالنتائج ومن ثم تحسين الأداء للانتخابات القادمة.بل إن المهم والأهم في هذه المعضلة هو أن الشعب قد دل طريقه وعرف كيف يغير الأنظمة، وبالتالي فإنه كائن من كان في سدة الحكم ملزم بمبادئ العدالة والمساواة والحرية والتعددية، وإلا فإنها حركة شعبية أخرى تعرف الشارع جيداً وتعرف أن الشعب إن أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر.برلمان الكويت كراسيه خضر أيضاًكانت مفارقة أن يتم اعلان نتائج أول انتخابات تونسية في نفس اليوم الذي تُفتَتح فيه جلسة الانعقاد العادي لمجلس الأمة الكويتي ضمن أجواء سياسية محتقنة وحالة ضبابية ملحوظة. كان لافتاً للانتباه أن خطاب صاحب السمو أمير البلاد، حفظه الله، كان متشائماً ومناشداً الجميع حكومة ومجلساً وشعباً الابتعاد عن الشحن الطائفي، كذلك كان استشهاد سموه ببيت الشعر الذي ذكره الشيخ عبدالله السالم رحمه الله في افتتاحه لجلسة مجلس الأمة سنة 1964 بعد أزمة المادة 131 من الدستور، والتي انسحب على إثرها غالبية نواب مجلس الأمة مما أعاق أداء الحكومة لليمين الدستورية، وعندما طلب رئيس الوزراء ولي العهد حينذاك الشيخ صباح السالم، رحمه الله، من سمو الأمير حل المجلس لعدم تعاونه طلب الشيخ عبدالله السالم من صباح السالم إعادة تشكيل حكومته وهكذا كان، ومن ثم سارت العجلة السياسية. الموضوع بحاجة إلى شرح تفصيلي لاحقاً ولكنها للذكرى فقط، أما البيت المذكور:تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحتفإن تولت فبالأشرار تنقاد
أخر كلام
تونس الخضراء
26-10-2011