هل الحرب قادمة؟!
هناك مؤشرات واضحة وملموسة على أن المنطقة, في ظل كل هذه الاحتقانات, قد تشهد حرباً جديدة ستكون هذه المرة إقليمية، نظراً إلى تأزم العلاقات بين تركيا وإيران، بالإضافة إلى تردي العلاقات التركية-الإسرائيلية التي تشهد انهياراً فعلياً زاده رجب طيب أردوغان سخونة بتلويحه الأخير باستخدام القوة العسكرية لإيصال المعونات الإنسانية إلى غزة وفك الحصار الذي تفرضه إسرائيل على هذا القطاع الأكثر كثافة سكانية في العالم بأسره.إلى ما قبل انفجار الأحداث السورية المتلاحقة, في الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي, كانت علاقات تركيا بسورية في ذروة تألقها وكان الاعتقاد, على خلفية طرد دمشق للمتمرد الكردي عبدالله أوجلان وتسليمه للأتراك, أن هذه العلاقات ذاهبة إلى وضعية متميزة غير مسبوقة، لكن فور حصول ما حصل بدأ هذا التحسن في العلاقات يتراجع بسرعة ووصل النزق بدمشق ردّاً على تصريحات أردوغان النارية التي ندد فيها بالقمع الذي يمارسه نظام الرئيس بشار الأسد ضد الشعب السوري ان عاد النظام السوري إلى إثارة قضية لواء الإسكندرون الذي كان الرئيس السابق حافظ الأسد في إطار صفقة أوجلان هذه مع أنقرة قد طوى صفحته واعتبر هذه المشكلة منتهية ولا عودة إليها.
ولعل الكل يذكر أن السياسة التي كان بدأها نظام حزب العدالة والتنمية مع دول الجوار وبخاصة إيران وتركيا قد أُعطيت عنواناً اخترعه وزير الخارجية أحمد داود أوغلو هو "تصفير الخلافات" لكن ثبت في ظل صدام المعادلات في هذا الإقليم أن المصالح المتضاربة بين القوى الرئيسية في هذه المنطقة, الإيرانيين والأتراك والإسرائيليين, أكبر من حكاية "التصفير" هذه بكثير، والدليل هو كل هذا الاستقطاب المتسارع الذي بات ينذر بحرب إقليمية إن هي نشبت فإنها ستشكل نصف أو ربع حربٍ عالمية. ليس دقيقاً بل ليس صحيحاً أن وراء كل هذا التأزم المفاجئ في العلاقات التركية-الإيرانية الأحداث الجارية في سورية وانحياز نظام حزب العدالة والتنمية التركي إلى الشعب السوري الثائر، فهذه مسألة مع أنها هامة ومقلقة لدولة الولي الفقيه التي لديها تطلعات نفوذ كاسح في الإقليم كله إلا أن هناك المسألة الأهم وهي تنافس هاتين الدولتين, تركيا وإيران, على المصالح الحيوية وعلى الحضور العسكري والسياسي في الشرق الأوسط كله وعلى غرار ما كان عليه الوضع بين الصفويين والعثمانيين في فترات تاريخية سابقة.هناك قوات أميركية في العراق تصر على البقاء رغم رفض إيران وأعوانها العراقيين وهناك وجود عسكري أميركي متفاوت الحجوم في بعض دول الخليج العربي، وهناك أيضاً القواعد الأميركية في تركيا، وكل هذا بالإضافة إلى وجود حلف شمال الأطلسي المستجد في ليبيا، وهكذا وإذا عرفنا أن الأميركيين قد لجأوا في الفترة الأخيرة إلى تركيز قواعد صاروخية موجهة نحو إيران فإن هذا يعني بالإضافة إلى هذا التأزم التركي-الإسرائيلي الطارئ أن المنطقة أصبحت كلغم كبير قابل للانفجار في أي لحظة.والمشكلة بالنسبة إلى هذه المسألة أن كل هذا يجري في هذه المنطقة الحساسة والعرب محيدون وغائبون غياباً تاماً، وكأن الأمر لا يعنيهم فالدول العربية الرئيسية إما أنها, كالعراق, مصادرة لحساب دولة أخرى هي إيران أو أنها مشغولة بنفسها داخلياً وغير قادرة على أن تكون رقماً فاعلاً في معادلة هذه الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط.