وجهة نظر: سعر الخصم يغرد خارج السرب!
قرار البنك المركزي بخفض سعر الخصم من 2.5 في المئة الى 2 في المئة خطوة إيجابية ستكون لها آثار محفزة للطلب على الائتمان، ولكن هذه الآثار ستظل محدودة على الأرجح في ظل حالة الكساد الراهنة التي يراوح فيها الاقتصاد الوطني منذ أن حدثت أزمة الانكماش المالي العالمية عام 2008. إن قدرة أي أداة نقدية يتم استخدامها من جانب البنك المركزي على إحداث التأثير المقصود، مرهونة بتوفر درجة عالية من الاتساق بين هذه الأداة وبقية أدوات السياسة النقدية الأخرى من جهة، وبينها وبين أدوات السياسة المالية من جهة أخرى. أي أن لا يكون هناك تعارض بين مسار الأدوات المفعلة لا في داخل السياسة الواحدة، ولا بين السياستين النقدية والمالية، كما هي عليه الحال في الكويت منذ أن حدثت الأزمة المالية وحتى اليوم.
تعارض داخليفي مواجهة تداعيات أزمة الانكماش المالي وضمن سياسته التوسعية الرامية الى حفز النشاط الاقتصادي بعد تلك الأزمة، أقدم البنك المركزي خلال الفترة ما بين الربع الأخير من عام 2008 والنصف الأول من عام 2009 على خفض سعر الخصم خمس مرات من مستواه البالغ قبل الأزمة 5.75 في المئة الى 3 في المئة، وكان هذا توجه توسعي مطلوب في مواجهة الأزمة، ولكن صاحبه في الوقت ذاته توجه نقدي معاكس تمثل في التضييق على منح الائتمان، سواء في الفترة التي أعقبت ظهور الأزمة وحتى دخول قانون الاستقرار المالي حيز التطبيق في 13 أبريل 2009. فعلى الرغم من أن ذلك القانون كان قد استهدف حفز الائتمان من خلال توفير ضمانات حكومية محددة، فإنه اشترط على الشركات الراغبة في الاستفادة من القانون، أن تتخذ إجراءات تشمل إعادة الهيكلة أو رفع رأس المال، على أن يتم ذلك بعد دراسة تقوم بها جهة استشارية متخصصة تبين الوضع المالي الفعلي للشركات. أي إن الحصول على التمويل لم يعد ممكناً لغير الشركات ذات الملاءة العالية، والتي تملك القدرة على مواصلة النشاط، لكنها بحاجة إلى شيء من السيولة، وفي المحصلة النهائية شكل قانون الاستقرار المالي، إن بدرجة أو بأخرى، توجهاً انكماشياً يتعارض مع المسار التوسعي لسعر الخصم.تعارض مع السياسة الماليةهذا من جانب، أما من الجانب الآخر، فقد تضاربت الأداة النقدية التوسعية النشطة، وأعني بها خفض سعر الخصم مع التوجه الانكماشي الصارخ للسياسة المالية الذي اتسم به الجزء الفاعل والمنتج من الإنفاق الحكومي وأعني به الإنفاق الاستثماري. ففي عام 2009 تراجعت قيمة الإنفاق الاستثماري في الكويت الى نحو 5 في المئة فقط من قيمة الناتج المحلي الاجمالي وتمثل هذه النسبة نحو 30 في المئة فقط من متوسط الإنفاق الاستثماري السنوي خلال السنوات الخمس السابقة للأزمة المالية.إن عدم التنسيق، ومن ثم عدم الاتساق بين السياستين النقدية والمالية، وتعارض مساراتهما، لابد أن تترتب عليه آثار غير مرجوة حيث تعمل كل أداة من الأدوات أو سياسة من السياسات على الغاء أثر الأداة أو السياسة الأخرى، أو في أفضل الأحوال إضعاف أثرها. ودون مثل هذا التنسيق والاتساق بين السياستين المالية والنقدية لن تتمكن الدولة من تحقيق أي من أهدافها الاقتصادية.* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت