بينما ينشغل العرب "البعيدون والقريبون" بكل هذا الذي يجري في المنطقة، من المحيط إلى الخليج، فإن إسرائيل الدولة المزروعة في قلب الوطن العربي والتي تؤثر على العرب وهم يؤثرون عليها تعيش حالة تمزق سياسي وتشرذم حزبي غير مسبوقة، وهذا قد يدفع أحد القادة المتطاحنين هناك إلى ارتكاب حماقة وإلى اللجوء إلى مغامرة عسكرية قد تزيد أوضاع الشرق الأوسط المتوترة أساساً خطورة ومأساوية.

Ad

وصل عدد الإسرائيليين الذين أحرقوا أنفسهم أو حاولوا إحراق أنفسهم إلى ستة، اقتداءً بـ"البوعزيزي" الذي أطلق شرارة ما اعتُبر ربيعاً عربياً من تونس، ودلالة هذا أن إسرائيل تعيش أزمة طاحنة لا على الصعيد الاقتصادي، المتماسك بدعم الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا ودولٍ أوروبية أخرى، بل على الصعيد الأخلاقي والثقافي والسياسي والنفسي... وكل شيء!

لم يبقَ في هذه الدولة، التي بناها منْ يُعتبرون آباء مؤسسين من القادمين من أوروبا الغربية والاتحاد السوفياتي السابق وبولندا ومن دول أخرى في أوروبا الشرقية المتأثرين بالأفكار الليبرالية والعلمانية، حزبٌ واحد يمكن اعتباره رافعة سياسية، فحزب العمل انهار نهائياً ولم يبقَ من ينعق على قبره كالغراب إلا إيهود باراك، وحال حزب "الليكود" كحال مريض لم تعد تنفع معه المسكنات وبات يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهذا هو وضع حزب "كاديما" الذي أكل قادتَهُ واحداً بعد الآخر، والذي مضت على مؤسسه آرييل شارون وهو يعيش موتاً سريرياً سنوات عديدة.

لم تعد هذه الإسرائيل، التي يتصارع تحت سقفها الآن رموز الجيل الثالث من الذين جاء أجدادهم وآباؤهم من كل شتات الأرض ليبنوا دولة علمانية وديمقراطية فريدة، هي إسرائيل ديفيد بنغوريون، فهي أصيبت بمرض الشيخوخة مبكراً، وتحولت خلال نحو ستين عاماً من تجربة على الطراز الغربي إلى دولة دينية رجعية بائسة ستدفع المنطقة إذا بقيت الأمور تسير على هذا النحو إلى صراع ديني يقترب مما سماه الغرب لا المسلمون ولا العرب "الحروب الصليبية".

كنا نتمنى سابقاً، قبل أن تشهد إسرائيل كل هذه التحولات المتلاحقة نحو أنماط الدول الدينية الرجعية المتخلفة سياسياً، لو أننا في هذا الشرق العربي المعذب والحزين نصاب بعدوى هذه الدولة العلمانية الديمقراطية، لكن الآن وقد أصيب الإسرائيليون بعدوى ما كنا ومازلنا نعانيه، وباتوا يحرقون أنفسهم ويؤمنون بوجود الغول والعنقاء فإننا نقول لهم :"اللهم لا شماتة" فَخيْلنا وخيلكُمْ تساوت في الميدان حَمْحَمةً، ولهذا وإذا لم يأخذنا هذا الربيع العربي إلى مئة عام إلى الخلف وهو سيأخذكم إذا أخذنا فإن الغلبة قريباً ستكون لنا طالما أنكم وضعتم مقاليد أموركم في أيدي هؤلاء المحشوة رؤوسهم بكل خرافات التاريخ!