هل الإعدام رادع؟
واقع الأمر، ومن خلال الدراسات الكثيرة، وبالذات في مجالات علم الإجرام أو العدالة الجنائية، أو حتى علم النفس الاجتماعي، أنه لم يبرز دليل علمي واحد على أن الإعدام كان رادعاً لأحد عن ارتكاب جريمته؛ فقد ثبت مثلاً أن جرائم القتل في معظم الأحيان تحدث "في لحظات انفعال عندما تتغلب العواطف الهائجة على الصواب، وقد ترتكب أحياناً تحت تأثير الكحول والمخدرات، أو في لحظات الذعر، عندما يفاجأ مرتكبها متلبساً بجريمة سرقة مثلاً، كما يرتكبها أشخاص من مقترفي جرائم العنف، فاقدون التوازن، عاجزون عن ضبط عواطفهم، أو مصابون بمرض عقلي" ولا يُنتَظر من هؤلاء أن يفكروا في عواقب الإعدام ليعيدوا التفكير، وبالتالي يرتدعوا عن فعل الشر.إن مجرد الظن في الردع فقط بسبب تغليظ العقوبة هو ظن واهم، لا يستند إلا على افتراضات لا تدعمها الوقائع، وهنا سنأخذ مثالاً من الكويت؛ ففي سبتمبر ١٩٨٧، أي في حقبة لم يكن فيها وجود لمجلس الأمة، تم تغليظ العقوبة على جريمة الاتِّجار بالمخدرات لتصبح الإعدام، وكانت الصحافة حينئذ تحت الرقابة المسبقة، أي أن رئيس التحرير الفعلي كان وزارة الإعلام، فلا يتم نشر شيء إلا بموافقة الرقيب الذي كان يداوم في الجريدة، وله مكتب دائم فيها. أي أنه لم يحدث، صحفياً، اعتراض يُذكَر على إجراء تغليظ العقوبة إلى الإعدام، بل إن الاتجاه الشعبي العام كان يرى في ذلك الإجراء حماية للمجتمع. تحدثت في ندوتين عامتين معترضاً على الإجراء، إلا أن ذلك الاعتراض رفضت الرقابة الحكومية نشره، وجاء الاعتراض من جهة غير متوقعة وهي مدير إدارة المباحث الجنائية الأخ عبدالله الفارس حينذاك، وكان اعتراضه من منطلق أمني، حيث أكد في مقابلةٍ أن استخدام عقوبة الإعدام في جرائم تجارة المخدرات من شأنه أن يجعل مهمة رجال الأمن أكثر صعوبة، لأن تجار المخدرات سيقاومون الاعتقال "حتى الموت" ولم يطل بنا الوقت، ليَصدق حدس الرجل، فما إن تم تطبيق القانون حتى حدثت جرائم قتل لرجال أمن أثناء تأديتهم لواجبهم.
بالطبع لم تستمع الحكومة حينئذ لاعتراض المنطلق الأمني أو اعتراضنا من منطلق حقوقي، ومضت في طريقها، بوصفها المالكة لسلطة الإقرار، وتسويقاً منها لفكرة حفاظها على قيم المجتمع، وأن تغليظ العقوبة سيؤدي حتماً إلى الردع، وقد أصابها الخدر اللذيذ من عبارات الثناء بأن الحكم يتطلب الشدة وأن حماية قيم المجتمع لا ينفع معها إلا تغليظ العقوبات، فهل يحق لنا تقييم التجربة التي مضى عليها ما يزيد على ٣٠ عاماً؟ وهل انخفضت تجارة المخدرات وارتدع المجرمون أم لا؟فلنبدأ، يتضح لنا أن الاتجار بالمخدرات لم ينخفض بل زاد، وأصبحت عصاباته أكثر تسلحاً وعنفاً، أما المأساة فهي في مَن يتم إعدامهم فلن تجد بينهم إلا غير المواطنين، فهل هذا يعني أنه لا يوجد بيننا تاجر مخدرات واحد؟ وهل هذا، مثلاً، يدعونا إلى الفرح والابتهاج؟ أم أنه يدعونا إلى التساؤل بشأن صدقية التحقيق وجمع الأدلة، وربما حتى التأثير السياسي؟ فعندما يتم إلقاء القبض على صاحب نفوذ، أو ابن صاحب نفوذ، يتم التحرك ويخرج منها كالشعرة من العجين، فلا فاطمة سرقت، ولا قُطِعتْ يدها، أما ذلك الأفغاني الذي يُقبَض عليه فسيتم جره إلى المشنقة، وسيفرح الناس بالقضاء على تجارة المخدرات، فالنظام يعمل بشكل جيد!ذلك هو الوضع الذي سيتكرر، أما موضوع الردع فمازال فيه ما يمكن أن يقال، فللحديث بقية.