العاقل في السياسة هو الذي يتروى في قراره، ويتثبت في حكمه، ويزن الأمور على أساس العدل، ويقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ويدور حيث دار الحق وينظر إلى المنفعة الأعظم دون المنفعة الأصغر، والعقلاء السياسيون في كل مكان هم صمام الأمان للدولة، وهم حصنها الحصين، خاصة في أوقات الأزمات التي تمر بها الدول.

Ad

ولعل أقرب مثال على ما ذكرناه أعلاه، مسارعة العقلاء في مصر، ومبادرتهم إلى الوقوف في وجه مثيري الفتنة بين مصر والسعودية، وسعيهم إلى افتعال أحداث يهدفون من ورائها للوصول إلى القطيعة بين الدولتين الشقيقتين، إضعافاً لقوة الأمة، وتفتيتاً لصفها، لكن الله أبى ذلك وتحرك العقلاء وكانت الزيارة الميمونة للمملكة العربية السعودية التي جمعت كل العقلاء، ومن كل الأطياف والمذاهب والملل، لتأكيد ما يكنه الشعب المصري للمملكة وملكها وشعبها من حب وتقدير، وتمسكه بأخوة العروبة، ورابطة الدين، فكانت ردة الفعل كريمة وفي نفس درجة المبادرة، وصدر القرار في نفس اللحظة، وعاد السفير السعودي إلى مكتبه ليطفئ العقلاء السياسيون في لحظة ناراً كادت تأكل الأخضر واليابس، وتضعف الأمة وتشمت أعداءها بها، وتشق صفها، وتهدد وحدتها.

وهكذا في كل أزمة تجد الناس يلتفتون عن اليمين وعن الشمال بحثاً عن العقلاء ومبادراتهم، ومساعيهم. في الأزمات عادة ما تطيش العقول، وتهيج العواطف، وتعلو الأصوات، وتتسارع الحركات، ولا يعود المرء يفكر بعقله، ولا يحسب بفكره، فإن لم يبادر العقلاء، وينزلوا للساحة في الوقت المناسب فإن العواقب تصبح وخيمة، والنظام العاقل هو الذي يستطيع أن يستفيد من العقلاء حوله، ويشجعهم على المشاركة في الأمور الشائكة قبل أن تصبح أزمات يصعب حلها.

***

المستشار وظيفة من أخطر الوظائف، خاصة إذا علا منصب المستشير، فهو الذي ينصح بالإسراع أو التأجيل، والإقدام أو الإحجام، والتشديد أو التخفيف، فإذا كان شخصاً غير مؤهل لذلك شوه القرار وضاع المستشير، والناظر- وللأسف الشديد- إلى المستشارين ونظرة المسؤولين لهم، يجد أنها أصبحت وظيفة تشريفية وتكريمية لا تعدو ذلك في أغلب الأحوال، فالمستشارون غير مؤهلين للاستشارة أو غير ممكنين من القيام بها.