إسرائيل وفلسطين بعد أوسلو

نشر في 18-10-2012
آخر تحديث 18-10-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت في الثالث عشر من سبتمبر 1993، التقى شيمون بيريز ومحمود عباس في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض للتوقيع على إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، أو اتفاقات أوسلو، ثم خَتَم زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين الاتفاق بمصافحة تاريخية.

دعت اتفاقات أوسلو- التي تم التوصل إليها بعد محادثات سرية جرت بتشجيع من الحكومة النرويجية وأديرت في عاصمة النرويج- دعت إلى فترة انتقالية من خمس سنوات تنسحب القوات الإسرائيلية خلالها من قطاع غزة ومناطق غير محددة من الضفة الغربية، وإنشاء سلطة فلسطينية. وكان الاتفاق مصحوباً بتبادل رسائل الاعتراف بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وكان الهدف النهائي، ولو أنه لم يُعلَن صراحة قط، إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 تقريبا.

ولكن الأهداف المنصوص عليها في اتفاقات أوسلو لم تتحقق حتى الآن، والواقع أن الاتفاق من غير المرجح أن يستمر إلى ما بعد بيريز (89 عاما) وعباس (77 عاما)، الذي أصبح أولهما الآن رئيساً لإسرائيل والثاني رئيساً للسلطة الفلسطينية. ولقد ساهمت عوامل عِدة في تدهور احتمالات السلام الدائم.

ولعل العامل الأكثر أهمية كان استمرار- وفي بعض الأحيان تسارع- الأنشطة الإسرائيلية الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولقد اعترض بعض الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة على فشل الاتفاقات في الدعوة صراحة إلى إنهاء بناء المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، ولكن نظراً لضعف منظمة التحرير الفلسطينية وافتقارها إلى الدعم في العالم العربي بعد رفضها معارضة احتلال العراق للكويت، قَبِل زعماؤها الاتفاق المعيب بحجة أن الحدود الفلسطينية سوف يتم الاتفاق عليها أثناء الفترة الانتقالية. ولكن بعد مرور تسعة عشر عاما، وطبقاً لتقارير مؤسسة السلام في الشرق الأوسط التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، فإن ما بُني من مستوطنات يهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ اتفاقات أوسلو كان أكثر من كل المستوطنات التي بنيت قبل التوقيع عليها. ونتيجة لهذا، أصبحت الحاجة إلى حمل إسرائيل على تجميد أنشطتها الاستيطانية شرطاً دولياً- وليس فلسطينياً فحسب- لإجراء محادثات سلام فعّالة.

وكان العنف المستمر من العوامل الحاسمة الأخرى، فمنذ تصافح رابين وعرفات، قُتِل نحو 7500 فلسطيني و1400 إسرائيلي، وأصيب أو سُجِن عدد أكبر. كما أدت سياسة هدم المنازل في فلسطين التي تنتهجها إسرائيل من جانب واحد إلى ترحيل أو تشريد أعداد كبيرة من الفلسطينيين في القدس، والخليل، ووادي الأردن، وأماكن أخرى. ورغم انخفاض أعداد القتلى بشكل حاد في الأعوام الأخيرة، فنادراً ما يمر يوم من دون حدوث شكل ما من أشكال العنف، وغالباً ضد المدنيين، بما في ذلك الأطفال. ويعمل اليأس المتنامي، في غياب أي اتفاق سياسي، على تأجيج هذا العنف، وفي حين يملأ الزعماء الدوليون موجات الأثير بالأحاديث عن السلام فإنهم فشلوا في معالجة هذا الصراع بجرأة وحزم.

على سبيل المثال، أحيا انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أربعة أعوام الأمل في استئناف المفاوضات، ولكن جورج ميتشل مبعوث أوباما للسلام استقال، وغابت اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والولايات المتحدة). ومن ناحية أخرى أصبح الوعد المشروط الذي بذله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعم إقامة الدولة الفلسطينية بلا معنى بسبب السياسات الاستيطانية الاستفزازية التي تنتهجها حكومته في المناطق التي كان من المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية.

لقد قسمت اتفاقات أوسلو الأراضي المحتلة إلى ثلاث مناطق، فتولى الفلسطينيون المسؤولية عن المناطق الأكثر كثافة بالسكان، في حين احتفظت إسرائيل بالسيطرة العسكرية والإدارية الكاملة على الجزء الأكبر من الأراضي، أو المنطقة "ج" التي تشكل نحو 61% من الضفة الغربية.

ويعتقد العديد من الفلسطينيين أن هذا يخدم الهدف الصهيوني الطويل الأمد في الإبقاء على الأرض بلا شعب، والواقع أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي يُعَد بمنزلة ضم إسرائيلي بحكم الأمر الواقع للأراضي التي يسعى الفلسطينيون إلى إقامة دولتهم عليها. نتيجة لهذا، وفي غياب اتفاق واضح على الحدود، فإن المنطقة "ج" سوف تشهد المواجهات الأكثر خطورة.

كما فشلت اتفاقات أوسلو في وضع الفلسطينيين على مسار يقودهم إلى الاستقلال الاقتصادي، فوفقاً للبنك الدولي وغيره من الهيئات الدولية، تساهم العمليات البيروقراطية والأمنية البطيئة والمعقدة، بما في ذلك المئات من نقاط التفتيش، في جعل التنمية الاقتصادية الفلسطينية أمراً مستحيلا. وتتفاقم المشكلة بسبب اعتماد الفلسطينيين على السلع والبضائع الإسرائيلية، وبسبب السيطرة الإسرائيلية على حركة البضائع والناس إلى وداخل وبين الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر.

كان الهدف من بروتوكول باريس لعام 1994، وهو واحد من أهم ملحقات اتفاقات أوسلو، تحديد العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولكنه اختُطِف من قِبَل إسرائيل لشركاتها ورجال أعمالها. فالبروتوكول يفرض على الفلسطينيين ربط أسعار سلع معينة ومعدل ضريبة القيمة المضافة المفروضة عليها بمثيلاتها في إسرائيل؛ ويرغم الفلسطينيين على استخدام عملة إسرائيل؛ وينظم الإجراءات الجمركية عند المعابر الحدودية مع الأردن ومصر.

إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي دام خمسة وأربعين عاماً على الأقل الآن، ليس بالمشكلة المعقدة؛ بل إن العكس هو الصحيح، فمن الممكن تلخيصه بإيجاز بإعادة صياغة العبارة الشهيرة للخبير الأميركي جيمس كارفيل: "إنه الاحتلال، يا غبي". في نهاية المطاف، سوف يحصل عباس على موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بإقامة دولة فلسطينية- إنجازه الأخير قبل تركه للسياسة، كما أسر لكبار معاونيه. وبعد رحيله، سوف تفتقد إسرائيل معارضته الشديدة لأعمال العنف ودعمه للتعاون الأمني.

إن القرار الرمزي بإقامة الدولة، وفي أعقابه خروج عباس، سوف يكون بمنزلة نهاية العملية التي بدأت في أوسلو، والتي تسببت في تقويض طموحات الفلسطينيين لما يقرب من عقدين من الزمان. ومع تعطل عملية أوسلو بكل وضوح الآن فإن الخيارات المتبقية لا تخرج عن خيارين اثنين: فإما الفوضى والتطرف والعنف أو عملية سلام جديدة، وهي العملية القادرة من الناحية المثالية على إنهاء الاحتلال والسماح للفلسطينيين بنيل الاستقلال والحرية والحياة جنباً إلى جنب مع إسرائيل السالمة الآمنة.

* داوود كتاب، أستاذ في جامعة برينستون سابقا ومؤسس ومدير معهد الإعلام العصري في جامعة القدس في رام الله، وهو ناشط قيادي من أجل حرية الإعلام في الشرق الأوسط.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top